السبت، 19 مارس 2011

دستور محاسبة زويل: تصحيح "تصحيح" ام تصحيح ثوره؟

اذن فقد انضمت رسميا "جماعات" الرجعيه الجاهليه الي "الانتهازيون" من فلول نظام "ادمز فاميلي" Adams Family البائد من ارباب المعاشات الي (وسبحان الذي يجمع اسراب الطيور ثم يفرقها: فيجمعها علي تشابه ويفرقها علي اختلاف) وهم يخوضون اليوم معركتهم الاخيره مع المستقبل اشبه ما يكون "بالسوفسطائيين" الذين انهكوا فكر اليونان قديما بما احدثوه من جدل وضجيج اجوف واستغلال بساطة البسطاء وغير ذلك مما خرجوا به علي الناس من غامض القول واختلاط المفاهيم فكان فكرهم ظاهره الحكمه والمعرفه وباطنه الضلال والفساد. حتي اصبحت كلمات مثل الليبراليه والديموقراطيه والعلمانيه -بفضلهم- مرادفات للانحراف والكفر!

فها هم سوفسطائيو اليوم "يتسلقون" منابر الحكمه لاعطائنا دروسا –احم – في الحريه والديموقراطيه والعداله الاجتماعيه (وكلمة "نعم"؟) فاصبحوا بذلك خطر داهم علي العقل الانساني وثقافة المجتمع الي حد انهم –ونظرا لخطورتهم- يجب ان يمنعوا –في رأيي- منعا باتا من مزاولة العمل الدعوي او الخيري (اذا ارادوا العمل في السياسه) وغير ذلك مما لم يجدوا ايضاحا كافيا لمعناه فسموه "فكر". وان اصدق وصف للغو الذي تتشدق به السنتهم هو قول شكسبير الخالد: "تلك الاقوال التي تلوكها افواه المجانين ولا تعيها عقولهم"

فكل ما يهمهم – فيما يبدو- هو ان يوفر كل منهم لنفسه "دكتاتور" يرتزق منه رهن قانون "الجاذبيه"(وكلمة "نعم"؟) الذي يتعين علينا نحن -عامة الشعب- ان نثور كل ربع قرن تقريبا كيلا نواجه نفس مصير الجهل والرجعيه والسقوط!

وفي حين ان البعض منهم يفعلون ذلك–بوعي كامل- لمقاومة ثورة المجتمع وكل ما من شأنه ابتكار اليات دوله مدنيه علمانيه ليبراليه مستقره تضمن التعدديه والعداله والمساواه وتطوير وسائل نمو المجتمع اقتصاديا واجتماعيا: فان البعض الاخر يفعل ذلك -للاسف الشديد- بعفويه شديده- نابعه من تاريخ تشويه المفاهيم والخلط بين المحافظه والتدين وبين الدعوه الدينيه والسياسه وبين السياسه والوطنيه وبين العلمانيه والالحاد وبين الديموقراطيه وطغيان الاغلبيه (والانتهازيه؟) وبين الليبراليه والخلاعه! ومما يثير الدهشه ان نجد اناس يكبدون انفسهم كل هذا العناء بالحديث عن الحريه والعداله الاجتماعيه والمساواه كحقوق اصيله لكل فرد من افراد المجتمع بينما هم في باطن الامر –ومن خلال ممارساتهم الداخليه -يركضون سراعا في اتجاه دولة "ارشاد" و"سمع وطاعه" تميز المرأه وغير المسلم وتكفر العلماني وتروج لطبقيه رأسماليه تجعل العلاقه بين صاحب رأس المال والعامل او بين "العلماء" الثقاه وعلماء العامه اشبه بعلاقة الساده بالعبيد لا لشئ الا لنقع جميعا في اسار العوده -في طرفة عين- الي العصور الوسطي حيث العبوديه وحريم السلطان وتعدد الخليلات والزوجات باسم الدين: تلك العصور التي راجت فيها ممارسات غريبه مثل حصد الرؤوس بالسيوف وتعليق المعارضين علي ابواب المدن دون محاكمات منتظرين مقدم الموت ومن بعد الموت التحلل والتعفن ليكونوا عبره لمن نجا!

كما راجت في تلك العصور ايضا مهنة قطع طرق القوافل لنهبها بصفتها مهنه شريفه مقبوله اجتماعيا وما يتبع ذلك –غالبا- من عمليات سبي واباده جماعيه تمت يوميا ضد رجال ونساء واطفال وشيوخ من المدنيين وشملت –احيانا- الي جانب بيع وشراء البشر-اكل اجزاء من اجسادهم- واغتصاب النساء وخصي الرجال ومضاجعة الغلمان: بل ان فريق منهم كانوا لا يستنكفون فعل ذلك تحت ستار من الصوفيه والتدين! ومع ذلك فالمخدوعون منهم اليوم ممن لا يقرأون الا ما يحبون لا يكفون عن النظر للوراء بأعين ملؤها التقديس كما لو كان التمسك بالقديم -او ما يسمي بالسلف الصالح-  في حد ذاته امر الهي! فيما يدرك البعض منهم –بمزاولة القليل من الفكر- والكثير من تفحص الامور- ان الايات الكريمه التي ناقشت العبوديه وتعدد الزوجات كانت تحاول –في الحقيقه- تنظيم ذلك وفق شروط معينه تتجه اتجاها حتميا نحو انهاء كل علاقه مستقبليه بهما وليس دعوة جديده اليهما!

اذ لا يجب ان يغيب عن ذهن العاقل ان القيمه الحقيقيه للزواج تتمثل في انه عمل اخلاقي رشيد –بنفس قدر كونه عمل يترجم مشاعر معينه بين طرفين- وانه عمل اجتماعي بنفس قدر كونه عمل فردي: فالهدف الاجتماعي من الزواج هو ان يتحول المجتمع من مجموعه هائمه من الافراد والمصالح الشخصيه غير المنتظمه الي اكبر عدد ممكن من الزيجات الناجحه من ذكر وانثي (واحده) يكون متعة الوجود والسعاده القصوي بالنسبة اليهما في انشاء علاقه سويه متكامله تقوم علي شراكه حقيقيه ينعم فيها الطرفين بالتاًلف والتفاهم والمسئوليه والمساواه وينجبون الذريه في ظل مجتمع يبذل كل ما في وسعه لدعم هذه الاسره وتوفير نمو عقلي واخلاقي سليم لصغارها (وليس تعليمهم حيل تبرر لهم فرديتهم وطبقيتهم وذاتيتهم ونزواتهم باسم الزواج والدين!).

والرجعيون السوفاسطائيون -في التفاتهم الي الوراء- وان اختلفت حججهم- وان اخترعوا فريق ثالث هو فريق البين بين او من يتمسحون بالوطنيه والطبيعه الشكليه للدين- هم جميعا سواء. وهذه حقيقه يمكننا ان نسوق عليها مثالا بما يحدث اليوم: ففرق الرجعيه التي اجتمعت اليوم علي محاولة اعادة احياء الدستور المعطل تناسوا جميعا ان ذلك الدستور لم يسقط فقط ويخسر شرعيته لمجرد ان شرعية الثوره (التي لم تقنعهم فيما يبدو) اسقطته (فالثوره انما قامت –عمليا- ضد الاسباب التي افشلت النظام- صنيعة الدستور- وليس ضد النظام عينه باشخاصه ومؤسساته) كما لم يسقط الدستور المعطل (وهم اكثر من تضرر منه ) فقط لان الرئيس السابق القي به في عرض الطريق ولم يأبه له في كثير او قليل "فتخلي" عن رئاسته الي جهه ليست –في الحقيقه- معنيه باستلام وتسليم الرئاسه حسب هذا الدستور (تلك الجهه التي اعترفت بدورها بشرعية الثوره وتعهدت بحمايتها بعد ان نالت اعتراف العالم بأسره) بل لان هذا الدستور–في اعتقادي- مطعون في شرعيته منذ البدايه اذ لم يصدر بناءا علي اراده شعبيه حقيقيه ومشاركه فعاله من جميع طوائف المجتمع رأت انها –انذاك –وفي تلك اللحظه التاريخيه بالتحديد- في حاجه لصياغة دستور جديد: بل صدر دستور 1971 نتيجة محاوله انقلاب فاشله علي سلطه مشكوك في شرعيتها –نتيجة التزوير والاستبداد- قامت بها بعض عناصر نظام قديم ضد عناصر اخري من نفس النظام (هي مؤسسة الرئاسة) احتمت بشرعيه جديده لثوره جديده لم يشارك فيها الشعب او ما يسمي بثورة التصحيح. وهذا وضع (نزاع السلطه وتصحيح النظام) ايا كانت دوافعه لا يقتضي -بالضروره –في رأيي- صياغة دستور جديد للبلاد خاصة وان الشعب –كما قلت- لم يكن مشاركا في نزاع السلطة هذا من قريب او بعيد (ولن اتحدث عن الممارسات التي تلت تطبيق هذا الدستور غير الشرعي (الذي لم يكن لصدوره اي مبرر وطني) والنظام الفاسد المزور غير الشرعي –بدوره- الذي حكمنا بحكم الطوارئ (غير الشرعي) لاربعين عاما بالتمام والكمال فلقد تكفلت الثوره بقول ما يعجز عن وصفه اللسان)

اذن مجرد طرح فكرة "تصحيح" هذا الدستور بعد ان كان سبب صدوره الاصلي هو التصحيح اشبه بتلميذ بليد يريد الشطب فوق شطب قديم كيلا يتيقن المصحح من خيبته!

وهذا من شأنه ايضا ان يثير الشكوك حول موقف البعض تجاه ثورة 25 يناير المجيده ودرجة اعترافهم بها او بكونها ثوره شعبيه كامله: فاعتقادي –وانا اتفق هنا مع قطاع عريض من جماهير الثوره كما اظن- ان الثوره المضاده لم تبدأ بعد وانما ستبدأ قطعا فور الموافقه علي هذه التعديلات. تلك التعديلات - التي لولا استمرارنا في تعديلنا- ما عرفنا مأزق التوريث وما طفح تسونامي الفساد الذي فضح ممارسات ما يقرب من 70 عاما تقريبا قضاها الشعب بين عدل مستبد ومساواه في الظلم (والفقر؟) حتي اضطر لتقديم شهداء ابرار وتضحيات من ماله وامنه وسلامته

ولي رأي غايه في السوء في "ترزيه" القوانين والدساتير وطريقة تصرفهم خاصه عندما يسترعي انتباههم انجاز ما فيضطرون الي التوقف عن حد معين لمجرد ان هذا كان ابعد بمراحل من حدود توقعاتهم: اذ انهم في نفس اللحظه التي لا تضطر فيها "ماكينات حياكتهم" عن التوقف –ولو للحظات- لاستيعاب ما حدث او ما نحن بصدده : لا يكفون عن اختراع تبريرات مثل: انما سيعود (دستور دراكولا المعطل) الي الحياه بصفته دستور مؤقت لفتره انتقاليه تؤسس لدستور جديد وهم يعلمون انه قول فاسد وغير دستوري اذ انه يشبه –اكثر ما يشبه- من يحيي الميت ليقتله! فاصبحوا بذلك المنطق وحده "غير كفئين" لتحريك مجتمع -قام لتوه بثوره- الي الامام.

وازعم انه ما كان لانظمة الظلم والاستبداد ان تظهر –وهو ما يبدو انه يحدث دائما- الا بظهور هؤلاء الترزيه ونظرياتهم الخادعه مثل "العادل المستبد" و"المساواه في الظلم عدل" الخ تلك التي ظهرت مع فاروق واشرأبت مع ثورة يونيو 1952 (تلك الثوره التي استفادت بلا شك من حالة الاحتقان الشعبي -انذاك- مع احتجاجات 25 يناير 1952 -او ما سمي بحريق القاهره- والتي قام بها الشعب المصري الواعي العظيم وكان الهدف الرئيسي منها هو الاحتجاج -ويالا المفارقه- علي قمع الشرطه المصريه من جانب قوات الجيش البريطاني المتمركزه في قناة السويس: والشرطه المصريه بالتحديد!)

وبنظره سريعه الي المواد التي لم يقترح احد –لسبب ما- تعديلها وبنظره اخري للمواد المقترح تعديلها وصيغ التعديل نجد اننا مازلنا نتعامل مع نفس ذهنية المشرع الذي اباح للرئيس السابق سلطات شمولية الغي بها –عمليا- مؤسسات الدوله وشوه هياكلها وافشل الياتها فحول الجمهوريه الاستبداديه (جمهورية عبد الناصر) الي فرعونيه عائليه هدفها الاسمي الذي تعيش من اجله هو التوريث. فلا يخفي علي المتابع الفطن ان التعديلات المقترحه غارقه–بل ومشبعه- بثقافة الحزب الوطني البائد العنصرية  التافهه التي تستبعد -بتعسف - وبمزايده كريهه- قطاع عريض من الشعب المصري ممن ازعم انهم مؤهلون للرئاسه اكثر من غيرهم (ممن ينطبق عليهم الشروط) بايحاء ما خبيث يلمح بانه مستبعد لانه مشكوك في وطنيته وانتمائه (تلك الوطنيه التي سمحوا لانفسهم وحدهم قياسها دون ان يخبرونا عن الادوات التي استخدموها من اجل ذلك) وهي اقتراحات في رأيي رجعيه -وبلا قلب- وتتعارض مع مبادئ الحريه والعداله الاجتماعيه والمواطنه (بل وقانون الجنسيه) التي تمنح الحق لكل مواطن مصري شريف مؤهل ان يحصل علي فرص متساويه مع غيره لخدمة بلده في موقع الرئاسه: نفس المبادئ التي قامت من اجلها الثوره.

ولا يخفي ان مشرع بهذا الفكر يثير العديد من علامات الاستفهام عن مدي ادراكه لحجم التغيرات التي تريد مازالت الثوره في حاجه الي تحقيقها. فالمشرع تصرف –في رأيي- كمن صفع طرفي "الخناقه" علي السواء (الرئيس المخلوع والعالم الجليل المخلص صاحب نوبل رمز العلم والوطنيه الذي سافخر به اذا ما اصبح رئيسا لي)  مم يجعل من السخف الحديث عن ثوره مضاده من جانب فلول الحزب البائد وجماعات الرجعيه الجاهليه: فالسؤال هنا: وهل اعترف المشرع بالثوره اساسا حتي نناقش احتمال قيام ثوره مضاده؟

والاغلب ان البعض لا يدركون معني كلمة ثوره او ان المعني مازال غائبا او غامض بالنسبه لهم لسبب ما وبذلك فهم مازالوا لا يقدرون جسامة المأزق التاريخي الذي اوقعنا فيه هذا الدستور –ونظامه- وما تبع ذلك من تضحيات في الارواح والاقتصاد والامن سيأن تحت وطأتها المجتمع لعام علي الاقل. ربما بسبب ان هذه الثوره وصلت الي درجه من التحضر والرقي استغنت فيها تماما عن اي صوره متعارف عليها من صور الغل الثوري المتعارف عليه؟ لست متأكدا. فما اعلمه هو ان الثوره لابد وان تكون نتائجها بنفس حجم تضحياتها والاسباب التي دعت لقيامها والا ما اصبحت ثوره.