الاثنين، 27 ديسمبر 2010

99 % من أوراق اللعب بيد الصين؟! (1-4)


تذكرون عندما أطلق السادات تصريحه الجهبذ (بعد اكتوبر 1973 مباشرة): 99 % من أوراق اللعب بيد أمريكا؟
تلك المقوله التى أثبت التاريخ صحتها واعادت التقدير لشخص السادات من بعد اتهام بالتخوين (الخ) دام عقدين من الزمان ؟ وتذكرون زيارة الرئيس نيكسون الي القاهره عام 1974 وذلك الاستقبال الحافل الذي حظي به – رسميا وجماهيريا – ووصفه البعض بحملة "علاقات عامه" (تلك التي تسبق عادة تغيير استراتيجي في السياسه الخارجيه) ... بالطبع تذكرون ذلك فلم يترك الحزب الوطني فرصه طوال ال 30 عاما الماضيه الا و ذكرنا به وكأنه يدعونا الي ايمان من بعد كفر - حتي صار من الصعوبة بمكان أن نكفر بأي شئ في وجودهم - للأسف الشديد! حسنا .... أمضيت بضع أيام أتأمل تلك المقوله وأحاول ربطها بما حدث ... حسنا! ربما أستطيع اليوم أن أزعم أن هذا القول الايماني العميق لم يكن في الحقيقه تحليل أو تلميح أو مبادره أو مصارحه أو عرض أو رساله أو نبوءه وبالطبع لم يكن بالونة اختبار: في محاوله لجر المجتمع الي حوار مجتمعي جاد (لا سمح الله) ومن ثم صياغة استراتيجيه جديده - علي المستوي الشعبي - لسياسة مصر الخارجيه نعتبر فيها الولايات المتحده (وقريبا اسرائيل) حليفا - بعد ان كانت عدوا- وأكثر من ذلك نستغني عن خدمات الحليف الحالى وهو في هذه الحاله الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو ( ربما لابطال كل ادعاء حول وجود "تمثيلية" حياد ايجابي وعدم انحياز ... يا خبر! هل قلت عدم انحياز؟).

لا لم يكن الامر كذلك ... لم يكن هذا التصريح تحليل أو بالونة اختبار والسؤال هنا: ومنذ متي كان الرئيس يحلل سياسه علي الملء أو ينفخ بالونة اختبار؟ وهل استأذن عبد الناصر المصريين حين اعتبر الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو مثلا حليفا استراتيجيا لمصر (كيلا يفقد حياده الايجابي وعدم انحيازه ؟) أو حين قرر – منفردا – فرض ايديولوجية القوميه العربيه (ونظرية العادل المستبد) مستبعدا بذلك كل فرصه من أجل حياه ديموقراطيه سليمه وشرق أوسط سعيد ؟ أو حين روج لمشروع السد العالي بصفته الخيار الاوحد وأمم – في سبيل ذلك - كل شئ تقريبا ؟ أو حين أقام وحده مع سوريا - واستبعد السودان ؟ أو حين أرسل الغالبيه العظمي من القوات الي اليمن – وترك سيناء ؟ الاجابه الفوريه هي: لا بالطبع ... مجرد التساؤل يثير الضحك - لم يكن الأمر يجري علي هذا النحو ... بل ان استخدام لفظ "استئذان" نفسه يصور الأمر علي أنه موضوع متصل بالذوق والأدب: وهل يستأذن الزوج زوجته في شئون بيته مثلا ؟ لا طبعا لم يكن هناك استئذان ...

كان هناك – للأسف - خطاب انفعالي توسعي عنصري-من نوع ما- لا يخلو مضمونه من استدرار العواطف (والتلاعب بها) والتنميط والتعميم والانتهاك (الي درجة السب العلني الصريح للبعض وتذكير البعض الاخر-الشعب- بفضل الثورة عليه وواجبه نحوها). كما لا يخلو أيضا من الاستخفاف بالعقول والاصرار علي الخطأ والمبالغه باستبعاد بعض التفاصيل وابراز أخري في تشويه شبه متعمد للتاريخ كما لو كان هذا التشويه– في الواقع- مفيدا لأحد. أو كما لو كان التاريخ حكايه من حكايات قبل النوم!

وبجهد قليل يمكننا أن نكتشف أن تلك الخطابات لا تختلف - من حيث المضمون- عن كتب مثل "فلسفة الثوره" ("كفاحي" النسخه العربيه) و"البحث عن الذات" ("فلسفة الثوره" الجزء الثاني) فهي عامره بالانشائيه الخطابيه و قصص عن بطولات واقتراحات معينه في صورة "رقع فكريه" متعددة الالوان والاحجام مستعاره حرفيا - من أفكار وتجارب جاهزه لاخرين وبعد مقابلات معهم –أشبه بفرانكشتين! كأحمد لطفي السيد وعباس العقاد وأحمد حسين وحسن البنا و محمود عزمي وهيكل– باعتراف هيكل. ولابد أن الكاتبين اطلعا –أيضا- علي ايدولوجيات الايدولوجيين من القوميين الوطنيين من أمثال هتلر وهرتزل ولينين وعفلق الخ. واذا كان هذا ما حدث فعلا فلابد وأنهم سلموا –أيضا- تسليما مطلقا –كغيرهم- بنظريات بدائيه متاكله ذات طابع سادي تشاؤمي مازوخي لرجال مثل فرويد وميكيافيللي وهوبز واخرين. والهدف الظاهر- فيما يبدو- هو تفصيل حقائق التاريخ–بوعي أو بدون وعي- علي مقاس ما يسمي باشتراكية القوميه العربيه: كما لو كانت حقائق التاريخ – والاشتراكيه- في صورتها الخام الأولي لا تكفي ولا تستقيم. وهي بذلك لا تعدو أكثر من أن تكون محاوله غريبه (ومتكرره) لاثبات تفوق شخص ما - أو عنصر أو ثقافه أوحضاره أو اقليم أو دين - علي اخر أدني منه منزله وهي بذلك بعيده كل البعد عن خامات الفكر الأولي و أصحابه مبعث الفكر الأصيل في كل مكان.

فبينما الهدف الأساسي من أي خطاب رئاسي (أو كتاب) عرض كل ما هو صادق وأصيل من الافكار والاعمال و"اقناع" الشعب به – ببصيره وصبر وسعة أفق – وأكثر من ذلك السماح بمناقشة الأفكار الأخري وتفنيدها من أجل فائدة الوطن ومن أجل الاجيال المقبله ومن أجل الانسانيه جمعاء. نجد ذلك وقد تحول – مع عبد الناصر والسادات كليهما – بكل أسف – و بدافع ما – الي "اذاعه" لقيادة الناس في اتجاه مجموعه من التعليمات والاوامر الكوديه لاستنتاج الوارد بها وتحويلها الي برامج وادوار تأخذ طريقها فورا الي حيز التنفيذ وبلا نقاش!

وبذلك ينتهي الأمر قبل أن يبدأ: و تخرج المظاهرات الي الشوارع والميادين هاتفه ومؤيده وتجتمع قوي الشعب العامله - مع قوي الشعب المتظاهره -  لتنفيذ المطلوب. الا أن الخطأ الأكبر يتمثل- في رأيي- في اعتقاد الناس أن مثل هذه المواقف الكاريكاتوريه المقولبه من الممكن أن تبني دولا ومجتمعات أو أن تستمر في قلوب الناس.

بيد أن المحزن أن هذا كان يحدث في وجود – أو عدم وجود - مفكرين أصلاء من ذوي الحكم الصائب علي الأمور في قامة طه حسين وأحمد أمين ومحمد حسين هيكل وغيرهم من الاساتذه الأفاضل الجادين في تناول موضوعاتهم بموضوعيه الذين لا يتوافرون في كل عصر مم يدعونا للتساؤل: وكيف الحال بنا اليوم – وماذا عنا نحن تلامذة تلامذتهم من الجهلاء – ماذا نفعل وقد أصبحت الألفاظ أهم من المعاني؟ والشكل أهم من الجوهر؟ والتفاصيل أهم من العموميات؟ وصرنا أشبه بحشرات متحفزه ابدا للانقضاض علي المعاني والأرواح الأصيله في محاوله – كدأب الحشرات – لاصطياد الفرائس ووضعهم في شرانق ومن ثم الخروج بأشكال محسنه منقحه (حاشا الله!) علي نسقها الخاص تطمس فيها هوية وعقول وقلوب أصحابها ليتحول كل ذي عقل في النهايه الي مجرد خادم لجسده أو لجسد شخص ما (وبالتالي لم يعد الرئيس بحاجه لمظاهرات مؤيده أو خطابات أو كتب لأن الشعب يقوم بكل شئ تلقائيا نيابة عنه !).

وعذر هؤلاء الوحيد - في ظني- ان القوميات والوطنيات والاتحادات الاقليميه القائمه علي أساس ديني لغوي عرقي: كانت –في الحقيقه- ثقافة عصر بأكمله وليست ثقافة أفراد. وأمام زحف صهيوني (قائم بدوره علي أساس ديني لغوي عرقي) يدق أجراسه في المنطقه أشبه بفرقة مطافئ -لا تكف عن اشعال الحرائق - كان من الصعب علي المرء ان يحتفظ برباطة جأشه.

اذن كان تصريح السادات - في رأيي - مجرد "اعلان" عن امر واقع جديد بدأ يتشكل بالفعل حين ايقن "عبد الناصر" نفسه – قبل ذلك بسنوات - والشكر كل الشكر لجهاز مخابراته الكفء الذي لم يكن قد تفرغ بعد للعلاقات الدوليه - أن الاتحاد السوفيتي قد سقط بالفعل وأن الاعلان الرسمي عن هذا السقوط سيحدث حتما عاجلا أو اجلا (وهو ما حدث بعد عشرين عاما بالتمام والكمال – ربما متأخرا قليلا – لأسباب تخص الكبرياء القومي الخ– باعتراف جورباتشوف - ولكنه حدث والحمد لله!)

و لولا ذلك - اعني لولا "علم" "عبد الناصر" المسبق بحتمية سقوط الاتحاد السوفيتي - لما قبل - في ظني – مواءمة روجرز (بعد لاءات الخرطوم الشهيره) و لما قبل تطوير تدريجي لعلاقات مع الولايات المتحده قادها - بصوره سريه - أنور السادات وزكريا محيي الدين و"اخرين" باعتراف الوثائق وشهود العيان (بل ذهب البعض الي أبعد من ذلك واعترفوا بمقابلات سريه مع اسرائيليين).

والتاريخ يتحدث عن هوجة "استنزاف" سبقت وتلت عمليات الاستنزاف العسكريه وبناء حائط الصواريخ تمثلت فيما يشبه جسر جوي طويل – عريض- بين القاهره وموسكو وبين القاهره وبعض مدن حلف وارسو واستمر هذا الجسر 3 سنوات تقريبا (نهاية الستينات وبداية السبعينات)

وبالاضافه الي الدبابات والطائرات والمدفعيه والقنابل والصواريخ (وبعضها -حسب البعض- محرم استخدامه وفقا للمواثيق الدوليه الحاليه التي وقعتها مصر: ولحسن الحظ فان تلك الأنواع لم تستخدم أبدا خلال عمليات الاستنزاف العسكريه أو في أكتوبر 1973- ربما لأنه لم يكن لها وجود أو ربما لأن اسرائيل لم تستخدم ايضا ما في حوذتها من اسلحة دمار شامل- أو لعلهم استخدموه جميعا لا أحد يعلم علي وجه اليقين!) شمل الجسر –أيضا- تكنولوجيا الكترونيه استخباراتيه (ربما بعض أجهزة الكمبيوتر وأجهزة كشف الكذب البدائيه الحديثه انذاك!) وتكنولوجيا اتصالات ومواصلات مدنيه وخبراء بلا عدد شاركوا في وضع خطة اكتوبر 1973.

وكلنا نعرف كيف طرد السادات هؤلاء الخبراء فيما بعد بعد أن استفاد من وجودهم أكبر استفاده ممكنه وبعد أن تمكن من تطوير شكل من أشكال العلاقات غير المعلنه مع الأمريكان (ولم ينس طبعا – بعد طردهم - التأكيد بأنه مازال متمسكا باتفاقية الصداقه المصريه السوفييتيه اذ لابد وأن انديرا غاندي كانت تهاتفه باستمرار لتذكره أنه ما زال في حالة عدم انحياز) وبطرد الخبراء السوفييت أصبح الطريق ممهدا "لعمليه عسكريه" وبالتالي عملية سلام - حسب تعبيره هو شخصيا. وهوالسلام الذي لم يستطع عبد الناصر له سبيلا ربما لأن عبد الناصر وضع نفسه في قالب معين (هو قالب 1956 علي الأرجح) جعل مجرد "عمليه عسكريه" ومعاهدة سلام مع اسرائيل ومن ثم علاقات متطوره مع الغرب شئ غير متسق مع طبيعة هذا القالب. وأزعم أن هذا هو الفارق الوحيد بينه وبين السادات فالسادات كان أكثر استعدادا لمراجعة القوالب وأقل رغبة في المخاطره وأهم من ذلك كان في موقع مكنه من التعلم من دروس سلفه (وان تخلي عن رباطة جأشه – فيما بعد- فبدا أقل منطقيه وأكثر غرابه من عبد الناصر)

وتتحدث السيده جيهان السادات عن صداقه طويله وزيارات وتفاهم بل وتطابق شبه كامل في المبادئ والأفكار بين عبد الناصر والسادات (وان اختلف الأسلوب) واستمر هذا التطابق – كما تروي - بعد وفاة عبد الناصر. وأكاد أجزم أنها كانت صادقه تماما وأمينه فيما قالته: فلابد وأن عبد الناصر كان ينوي طرد الخبراء السوفييت –  ربما بنفس الطريقه – ومن ثم القيام "بعملية" اكتوبر بنفس الخطة "اللولبيه" التي وضعها هو شخصيا بمساعدة الخبراء السوفييت (وتلك الخطه بالمناسبه تشبه كثيرا - في رأيي- خطة السوفييت اثناء الحرب العالميه الثانيه عندما قرروا عبور الفولجا المفاجئ للانقضاض علي النازي وتحرير الأرض و لست بعسكريا فلا أملك تأكيد ذلك) وأخيرا ابرام معاهدة السلام - ربما بنفس طريقة السادات - اذا كان مقدرا له أن يعيش بطبيعة الحال. ولا يخفي أن وجود الخبراء السوفييت – حتي دون أن يفعلوا شيئا - كان يضمن لهما (عبد الناصر والسادات) ألا تقوم اسرائيل بضربه تكتيكيه استباقيه مركزه تهدد حائط الصواريخ (وربما السد العالي أيضا) وتجهض بذلك كل استعداداتهما للمعركه (وطردهم كان من أجل أن تبدأ المعركه دون تدخل عسكري من أي من القوي العظمي– وهو التدخل الذي ما كان له أن يتم الا في حالة محاولة طرف الاجهاز علي طرف أخر)

ولابد أن ذلك "الأستنزاف" تم بأسعار متهاوده للغايه وبتقسيط مريح اذ تشير الوثائق الي "حساب شبه مفتوح" وتسليم شبه فوري مضي علي وتيره متسارعه وهو مالم يكن متاحا قبل ذلك. اذ كان السوفييت - قبل ذلك - يناورون ويماطلون بل ويتقاعصون عن تسليم الأسلحه – باعتراف هيكل واخرين - ويسألون أسئله كثيره بعضها كان يتعلق بأهدافنا وخطط توزيع السلاح (املين فيما يبدو أن يسفر ذلك الضغط في النهايه عن تخلي مصرعن "حيادها الايجابي" - الذي لم يقنع سوي انديرا غاندي فيما يبدو - وتنضم الي حلف وارسو فتبرهن علي ولائها وصدق نواياها)

و يتحدث هيكل عن سوء تفاهم حاد ومرير مع السوفييت قبل يونيو 1967 (استمر لبعض الوقت الي سبتمبر 1968) وتخلله – في مرحلة ما – هي مرحلة ذلك الشخص خفيف الظل عبد الحكيم عامر - حالة مرضيه من حالات انعدام الثقه (رغم الأحضان والقبلات) ساهمت في تأجيل تسليم ما تم الأتفاق عليه من اسلحه أكثر من مره وبالتالي ساهم في هزيمتنا: "كانوا ينظرون لنا نظرة ملؤها الشك والارتياب وكنا نواصل رحلاتنا الي موسكو والحاحنا في طلب السلاح وعلي أية حال لم تكن علاقتنا بهم مثاليه" (كعلاقة حكومة الحزب الوطني مثلا بأمريكا ؟ يسبونها ويتهمونها بالتدخل في شئون مصر الداخليه ثم حين يأتي الموعد السنوي لاستلام المعونه العسكريه نراهم يمتدحون ديموقراطيتها وثقافتها وسحرها الأخاذ!)

باختصار: كان عبد الناصر متيقظا – فيما يبدو– خصوصا بعد هزيمه يونيو1967 - فعلم وتنبأ – قبل غيره - بسقوط السوفييت والاعلان الرسمي الوشيك عن خروجهم مهزومين في الحرب البارده – ووافقه السادات في ذلك وسار علي دربه. فأتما عمليات "الاستنزاف" العسكريه -وغير العسكريه- و بنيا حائط الصواريخ وطورا علاقات مع الولايات المتحده واستعدا للمعركه ولعملية السلام – واضعين في اعتبارهما الحصول – قبل غيرهما - علي أكبر قدر ممكن من المكاسب - قبل أن تتاكل منسأة المارد الاحمر المسكين ويخر فعلا علي الملء كما لوكان "جلفر" في بلاد الأرازل متناهو الصغر Lilliputians  الذين لم يتسن لبعضهم أن يدركوا حقيقة سقوط المارد (جلفر) الا حينما سقط  فوق رؤوسهم! اذ أن أقصي ما كانوا يستطيعون رؤيته قبل ذلك هو كعب حذائه!

وهكذا – وبينما كان العالم يتطلع الي الأمام الي مستقبل بدون الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو محاولا تصور هذا المستقبل والاستعداد له اذ ظلت بعض دول الشرق الأوسط – ربما بدون علم – أو بعدم تصديق –  تصر علي قناعات وانتماءات واساليب قديمه – بل و يحاولون - في حدث بالغ الندره – لا يقع الا في اماد متباعده - اقناع أنفسهم - واخرين - أن الأتحاد السوفيتي لن يسقط أبدا وأنه سينتصر و أن عبد الناصر يختلف عن السادات في أنه كان أكثر عروبيه (وبالتالي أقل مصريه) منه أو أنه (عبد الناصر) كان لا يري -كالسادات- في تنمية علاقات مميزه مع أمريكا والغرب صوره من صور "الحياد الايجابي" أو أنه (عبد الناصر) كان سيلقي باسرائيل فعلا في البحر كما قال البعض (و يؤكد هيكل أنه لم يقل ذلك) أو أنه (عبد الناصر) كان لا يدرك حجم الانتهاكات التي كانت تحدث – باسمه - من بعض أعوانه – ممن "عينهم" هو شخصيا وعلي رأسهم السادات (رغم أنه كان يملك الاراده السياسيه -والشرعيه - لاقصائهم جميعا عن وظائفهم بل ومحاكمتهم– مثلما "عين" –من قبل- صديقه الصدوق "الصاغ" عامر وزيرا للحربيه ثم عزله عندما تحقق من افتقاره للمؤهلات اللازمه - ودون أن يجبره أحد علي شئ!)

وهؤلاء يشبهون – في رأيي - بعض ساسة اليوم ممن لا يصدقون أن المناخ قد تغير بالفعل وأن ذلك من شأنه أن يتسبب في اغراق أجزاء كبيره من أراضي شعوبهم (واغراقهم) أو أنه يمكنهم حل مشاكل مجتمعاتهم السياسيه والاجتماعيه والاقتصاديه والانسانيه والبيئيه بما في ذلك مشاكل الطاقه وندرة المياه بدون ديموقراطيه! وبذلك فقد لا يصدقون أيضا أن الديموقراطيه هي التطور المنطقي الوحيد المتاح –حاليا - لحياة عقليه ومجتمعيه وانسانيه سليمه (وسعيده) تتسع لها جميع ثقافات ولغات واديان وحضارات واجناس العالم - وبالتالي لا يصدقون أيضا أنها بمثابة أمر واقع لا مفر منه وسيحدث – حتما-  في بلادنا – ربما بأسرع مم يتصورون – و سواء شاؤوا ذلك أو أبوا.

وهم يتحملون - بذلك – في رأيي- مسئوليتهم التاريخيه لكل ما سيتبع عدم تصديقهم هذا من نتائج. فجهود حماية البيئه والسيطره علي المناخ واكتشاف مصادر جديده للطاقه والمياه وارساء مبادئ الديموقراطيه والتنميه الثقافيه والاجتماعيه والاقتصاديه والسلام في الشرق الاوسط والحرب علي الارهاب كلها قضايا متلازمه برأيي لا تنفصل ولا يصح التوقف عن تقديم حلول "سريعة" ومبتكره لها جميعا -في ان واحد- لضمان سيطره ارادة الديموقراطيه العالميه العلمانيه الصديقه للبيئه والانسان علي ارادة الرجعيه الشموليه الاستبداديه الداعيه لتقسيم العالم الي قوميات وطوائف وديانات وعرقيات ومحاور وعصابات – واعتقادي انها المعركه الحقيقيه الأساسيه منذ الأزل – ومنذ اكتشاف الديموقراطيه والعلم - اذ لم تكن الحرب البارده أبدا – في نظري- معركة اقتصاديه بحته بين شيوعيه ورأسماليه فكلا من الشيوعيه البلشفيه والرأسماليه الليبراليه استفادتا - في النهايه - من بعضهما البعض وأسهمتا خلال اصطدامهما السريع بنصيب وافر في تطور المفاهيم الانسانيه شأنهما في ذلك شأن كل الصدامات السابقه بين الأفكار الانسانيه أو حتي بين المذاهب والديانات.

فالحياه العقليه البحته للانسانيه تتمثل - في رأيي - في اجتهادها لزيادة معارفها وتنمية وتطوير قيمها و ذوقها الانساني والروحي وقيمته (بنفس قدر تنميتها لأهدافها الحسيه) ولكنها في نفس الوقت لا تتردد ابدا في ابتكار الية ما للتواصل مع غيرها من الحضارات والاستفاده من تجارب التاريخ. وهكذا فهي لا تتوقف عن نزوعها المتدفق للوصول الي التقدم والكمال – سواء شاء لها القدر أن تدركه أو لم يشأ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق