الأربعاء، 11 مايو 2011

دستور محاسبة زويل: تصحيح "تصحيح" ام تصحيح ثوره؟! (Edited)

اذن فقد انضمت رسميا "جماعات" الرجعيه الجاهليه الي "الانتهازيين" من فلول نظام "ادمز فاميلي" Adams Family البائد من ارباب المعاشات (وسبحان الذي يجمع اسراب الطيور ثم يفرقها: فيجمعها علي تشابه ويفرقها علي اختلاف) وهم يخوضون اليوم معركتهم الاخيره مع المستقبل اشبه ما يكون "بالسوفسطائيين" الذين انهكوا فكر اليونان قديما بما احدثوه من جدل وضجيج اجوف واستغلال لبساطة البسطاء وغير ذلك مما خرجوا به علي الناس من غامض القول واختلاط المفاهيم فكان فكرهم ظاهره الحكمه والمعرفه وباطنه الضلال والفساد.

فاصبحوا بذلك خطر داهم علي العقل الانساني وثقافة المجتمع الي حد انهم –ونظرا لخطورتهم- يجب ان يمنعوا –في رأيي- منعا باتا من مزاولة العمل الدعوي او الخيري (اذا ارادوا العمل في السياسه) وغير ذلك مما لم يجدوا ايضاحا كافيا لمعناه فسموه "فكر". وان اصدق وصف للغو الذي تتشدق به السنتهم هو قول شكسبير الخالد: "تلك الاقوال التي تلوكها افواه المجانين ولا تعيها عقولهم".

فها هم سوفسطائيو اليوم "يتسلقون" منابر الحكمه لاعطائنا دروسا في –احم – الديموقراطيه والحريه والعداله الاجتماعيه (و"نعم"؟) حتي تحولت- معهم- تلك الكلمات من مرادفات للانحراف والكفر الذي يقتضي المراجعه والتقويم الي دائرة ما يجوز وما لا يجوز! وهو تطور ربما يدعو في رأي البعض للاحتفال بعد ان نالوا –اخيرا- "صك" الاعتراف بهم وشرف مشاركة موزعي الصكوك لهم في العمل السياسي (والا سحبت تلك "الصكوك" طبعا وعادوا –مرة اخري- الي خانة الكفره والمرتدين!)

اذ ان الذي يحدث عادة - بعد حماس- وبعد احاديث طويله عن الديموقراطيه -وبعد احضان وقبلات- هو ان يوفر كل منهم لنفسه -في نهاية الامر- دكتاتور جاهل يرتزق منه رهن قانون "الجاذبيه" (اما نعم او انقلاب - نعم او ارهاب) ينال في وجوده تقديرا زائفا لا لشئ الا لان احدهم وجد في نفسه الشجاعه الكافيه لاطلاق لحيته مثلا او اعلان توبته عن نهب اموال الشعب وهكذا فانه يتعين علينا نحن -عامة الشعب- ان نثور كل نصف قرن تقريبا حتي يعلمنا احدهم اطلاق لحانا –او يعلن توبته- فلا نواجه نفس مصير الجهل والسقوط! فصاروا بذلك كالحشائش الضاره التي تعيق سنابل القمح عن النمو حتي يتاح لهم ان ينتشروا ويغطوا وجه الارض وان تعرضنا جميعا في سبيل ذلك الي مجاعه!

وهكذا يكتشف جمهور الديموقراطيه الحقيقي انه لا يجب ان يتوقف ابدا –في اي وقت- عن تذكير هؤلاء انه لا الواعين من الشعب ولا البسطاء من الناس ولا باعة امواس الحلاقه سيغفرون لهم ذاتيتهم ورجعيتهم وان حاولوا "توريثها" الينا جيل بعد جيل.

وانه لمما يثير الدهشه ان نجد اناس يكبدون انفسهم كل هذا العناء بالحديث عن مبادئ علمانيه كحقوق اصيله لكل فرد من افراد المجتمع بينما هم في باطن الامر –  ومن خلال ممارساتهم الداخليه - يركضون سراعا في اتجاه دولة "ارشاد" و"سمع وطاعه" تميز المرأه وغير المسلم وتكفر العلماني وتروج لطبقيه رأسماليه تجعل العلاقه بين صاحب رأس المال والعامل او بين "العلماء" الثقاه وعلماء العامه اشبه بعلاقة الساده بالعبيد لا لشئ الا لنقع جميعا في اسار العوده الي "العصور" الوسطي -في طرفة عين- حيث العبوديه وحريم السلطان وتعدد الجواري والخليلات والزوجات باسم الدين:

كما راجت في تلك العصور اساليب عقاب وحشيه تراوحت ما بين حصد رؤوس المعارضين بالسيف او تعليقهم علي ابواب المدن دون محاكمات منتظرين مقدم الموت ومن بعد الموت التحلل والتعفن ليكونوا عبره لمن نجا!

كما راجت –ايضا- مهنة قطع طرق القوافل لنهبها بصفتها مهنه شريفه مقبوله اجتماعيا وما يتبع ذلك –غالبا- من ممارسات غريبه تمت فيها –يوميا- عمليات سبي واباده جماعيه ضد رجال ونساء واطفال وشيوخ عزل من المدنيين شملت -الي جانب بيع وشراء البشر- قطع واكل اجزاء من اجسادهم واغتصاب النساء وخصي الرجال ومضاجعة الغلمان: بل ان فريقا منهم كانوا لا يستنكفون فعل ذلك تحت ستار من الصوفيه و التدين!

وبوجه عام فانه كثرت في العصور الوسطي النعرات والاغتيالات وتفشت الاوبئه (الطاعون؟) وتقلصت روح الايمان والوطنيه واستبد الحكام بالاهالي وارهقوهم بالضرائب وطرق جمعها فنشأت عهود فوضي وفساد سوت فيها بالارض مستشفيات ومكتبات وقصور وسبل ومساجد واديره ومدارس علم –عمدا او بالصدفه- لصالح مدرسه واحده ظلت مقربه دائما من الحاكم دون غيرها لمجرد ان مناهجها التي عفا عليها الزمان وما زادتنا الا نقصا- نالت اعتراف منه وميل اليه: والاسوء من ذلك تلك الحروب التي اندلعت – وطال زمانها – سواء بين امراء وسلاطين الفساد والاستبداد (والفتاوي؟) وبعضهم البعض (وهي الغالبه) او حروبهم مع الغازين (وهي الاقل): في وقت لم تكن هناك عمليات "ارشفه" او جامعات مدنيه تحتفظ بنسخ من البقيه الباقيه من لفائف العلم والدرس فقد اختفت اغلب هذه الكتب - مع اصحابها- او نسخها الاوروبيون ونقلوها الي بلادهم.

وهذه رساله اوجهها لاولئك الذين دأبوا علي وضع الفطامات ويصرون علي اضافة المادة الثانيه من الدستور الساقط الي دساتير جديده اذ ناهيك عن ذلك الخلط الشائع بين ما يجوز ان يضاف الي الدساتير وما يضاف الي القوانين فان الدستور العلماني الحديث هو –تلقائيا- وتاريخيا- خميرة كل المبادئ الاخلاقيه والانسانيه والشرائع الابراهيميه السمحاء خميرة الحياه بما في ذلك الاسلام (الذي هو نتاج ثروه من النصوص القاطعه -في رأيي- هي في نفس الوقت- قواعد اخلاقيه- سبقت زمانها- لا تسمح باي صوره من صور التمييز او الاكراه في الدين):

اما بخصوص ان الدستور يختلف عن الشرائع والقوانين فهو يختلف بلا شك في انه عباره عن مبادئ عامه تنظم حركة المجتمع باسره -بكل اديانه واجناسه واعراقه ومؤسساته–علي المدي الطويل- بما في ذلك احكام القانون وليس من اجل املاء طرف لارادته علي اخر او ملء 100 صفحه فولسكاب!

وانه لمن السخف البالغ ان يصر البعض علي اسداء نصائحهم الغاليه فيما يخص تطبيق الشريعه وقيام دوله دينية ويتجاهلون ان المغزي الاساسي وراء كل شريعه (او الدين بوجه عام): بعد الايمان بالله: هو تنظيم علاقات ومصالح معينه في زمن معين: دنيويه وعاجله في اغلبها: فرديه واجتماعيه: لاناس "تحرروا"-بفضل هذا الدين- من اوثان ماض عقيم تراكمت شروره وضلالاته بمرور القرون والاجيال في عالم كان يصر علي التزمت و الانقسام وعبادة القديم ويلصق – كما في ازمان اخري- الضعف الخلقي وفساد الفكر بالطبيعه الانسانيه بحيث لا يكون اكثر العقول توقدا بمنجاه منهما في كل حين (ومن هنا كانت تلك الاخطاء الفاحشه التي بررت الجهل والظلم والرجعيه والفتور الفكري بالاصاله والتدين (والبركه؟) وساهمت–فيما بعد- في انتاج "عجول ذهبيه" يتم فيها التأكد من وجود كل المسوخ العجيبه المعبوده في كل عصر) في حين انه لم تنتشر رسالات الانبياء –في الحقيقه- ولم تصل الي ذروة انتشارها الا بفضل ايات بليغه موجزه حكيمه هي عبر وتعاليم كانت منقوشه علي الواح حجريه او رقاقات معدنيه او بردي او عظام وجلود الحيوانات.

فكانت النتيجه –رغم بدائية الوسائل- ومع كل ما لاقاه انبياء الله من عنت في سبيل نشر الرساله - جمهور مفكر متعلم من الحكماء الصالحين لا يعلو احدهم علي اخر مهما علا شأنه او زاد علمه او كبر سنه او تضخمت ثروته او صخبت شهرته (او عرضت ابتسامته؟): جمهور واعي بجوهر دينه دون تدخل -او لجوء قصري- من احد ليفرض عليه كلما سنحت الفرصه- رأيه الشخصي–او ما يسمي الشرعي- فيما يخص ادق شئون حياته الخاصه!

وبذلك فانني استطيع ان ازعم وانا مرتاح الضمير انه لم يكن من بين اهداف الانبياء ان يصنعوا كهنوت جديد يكون بديلا عن كهنوت قديم: او ان يكون في شكل اتباعهم الخارجي–او في اعمارهم- ما ينبئ عن شئ محدد اذ ان الطبيعه الشكليه للفكر–والاخلاق- تكون بالنسبة للمهتمين بالجوهر بمثابة الماده الخام التي تصاغ منها كل محتويات الذهن المغلق والفكر السطحي والسلوك المتحيز اللا معقول وهي ايضا التي تحث العامه الدارجين والبسطاء العاجزين عن تقييم ما يتلقونه من ضلالات –او فكر نافع- فيقيموا الضلالات –والفكر النافع- ليس بصفتها ضلالات -او فكر نافع- وانما تقييما فوريا متعجلا لا يفرق بين الرخيص والثمين او بين ثمرتي الخير والشر يتلقفه رعاة الطبيعه الشكليه للامور ويدبجون عليه مسوح من قداسه زائفه يخفون بها معارفهم الحقيقيه من جانب ويفرضون –علي الجانب الاخر- "وصاية" (لها ثمن بطبيعة الحال) علي خلق الله يستوي فيها الواعي والمخدوع.

في حين ان التاريخ يروي لنا انه ما سمقت قامات الكهان وارتفع شأنهم –في واقع الامر- الا في ازمان شح فيها العلم واقترت فيه المدارس فيما منحته لاهل العلم من قدرات.

ودع عنك ان السواد الاعظم من هؤلاء قد يترددون وقد يصبهم الارتباك اذا كان المطلوب هو تطبيق الشريعه علي انفسهم او علي احد ابنائهم: ليس من شك ان العوده الي تطبيقات عمرها ما يزيد عن 1400 عاما لهو امر مناف للعقل: اذ انه يعيدنا الي عصور لا يوجد اي اساس منطقي يبرر النظره المتفائله الداعيه الي احيائها او الي مستقبل جاد -ومصير مشترك- معها حتي ولو كان عالم تلك العصور هو الذي انجب لنا انبياء نحترمهم كثيرا ونكن لهم كل حب وعرفان 

فلا يخفي انه لولا ان تلك العصور لم تكن باعثه علي رضا الله: ولولا ان الله قد علم من اهل تلك العصور قصورا معينا في قدراتهم او اخلاقهم او كره منهم سلوكا او فهما خاطئا تراكم معهم وشغلهم عما هو حقيقي وقيم وجميل: لما اصبح هناك اي سبب –او مغزي- يدعوه ليرسل اليهم من ينذرهم ويبشرهم ويهديهم الي "الحكمة" والصواب.

بيد ان "الحكمه" والصواب –في رأيي- ليسا فقط في ان يتزامنا مع سبب او مغزي ولكن الحكمه والصواب هما الا تتناقض قيم الثابت كالعدل والرحمه وغير ذلك من المثاليات في جانب مع قيم المتغير المحسوس كالعلاقات الماديه والجنسيه وغير ذلك من الواقعيات في جانب اخر: وبذلك فانه حتي يكون القانون حكيما مثلا لابد وان يجتمع الجانبين –المثاليات والواقعيات- معا –في رأيي- في رحاب العقل فيصبح كل حكم ناتج عن ذلك القانون حكما عاقلا وعادلا ورحيما كل ذلك في ان واحد: والا افتقد الحكم حكمته وبالتالي صوابه والمغزي من وجوده.

وهكذا وبدلا من ان تذكرنا الشريعه بدرجه من درجات الرحمه والعدل والسمو الاخلاقي او ان تكون حافزا للاستقامه والابتعاد عن الجرائم او ان تصبح المثل الحي الذي يستمد منه المؤمن ايمانه ومبادئه وثقته في نفسه (كما استرد حقوقه): اذا بها وقد اصبحت تشغلنا بتطبيقاتها عن مضمونها وبالياتها عن جوهرها فينتهي الامر بالانسان الي ان يتصور مثالياته كما لو كانت عبء علي واقعه او ان تصبح الشريعه –والدين بوجه عام - او كما ادركهما- ليست الترجمه الصادقه لمثالياته.

في حين ان الله الثابت الازلي وان ارشدنا الي قانون او دين– بوحي الي رسول من البشر- انما فعل ذلك- وهو يعلم مسبقا –بصفته الخالق- ان ذلك القانون لن يصبح سلوكا اصيلا صالحا لكل زمان الا اذا اصبحت تطبيقاته واقعيه بنفس قدر مثالية مبادئه: بمعني ان تصبح اكثر انسانيه: اي حريه بكائن متغير- يعيش عصورا متغيره – متطوره - بالضروره - ما كانت لتتغير- او تتطور- الا بارادة الله وعلمه: وبذلك فانه بتطوير هذه التطبيقات –وبهذا التطوير وحده- يصبح القانون صالحا لكل زمان: فاذا ما اغفلنا ذلك: اي اذا اغفلنا ان الانسان متغير –متطور بطبعه- لا يليق به الا تطبيقات متغيره –متطوره- مثله وان القانون –اي قانون- انما وجد لتنظيم علاقات ومصالح معينه في زمن معين: دنيويه وعاجله في اغلبها: فانه يكون من ثمار ذلك ان يبدأ الانسان –تلقائيا –حسب القانون الطبيعي- في خوض محاوله يائسه للتكيف مع قانون اثبتت تطبيقاته –بثبوتها- انها غير واقعيه (بأن يتوقف عند حد معين من الحضاره مثلا؟) فتكون النتيجه الحتميه –والخيار الوحيد- هي ان يبدأ الانسان تخلفا تدريجيا عن الحضاره الانسانيه ومن ثم انحطاط بحيث لن يعني هذا الانحطاط بالنسبة اليه –في اي وقت لاحق- سوي مزيدا من التخلف.

بل والاخطر من ذلك: قد لا يجتذبه ما هو انساني او حضاري فلا يحقق له ادني متعه فينفر منه ويعتزله وقد يصبح –بنفوره واعتزاله هذا- عدوا للانسان (ارهابيا؟): وان كان مضطرا الا يعترف بذلك احيانا حتي فيما بينه وبين نفسه حيثما لا تسانده اراء الثقاة: اذ كثيرا ما يهيئ له غروره –تحت ستار من الدين طبعا- ان كل ما يخالفه -ولو بقدر يسير- هو باطل كلية او تافه بلا قيمة او عدو له (اجنده؟) وبظهور نسخ اخري من هذا "الفكر" يتراجع مجتمع انساني بأكمله ويتجه باصرار شبه مقدس- له نفس قدسية الدين- نحو نهايه –لا اظن انها ترضي الله من قريب او بعيد- هي بمثابة انتحار جماعي.

وهي معضله (الانتحار الجماعي) تتطلب –في رأيي- درجه عاليه من درجات التعامل الجدي مع هؤلاء كيلا ينفصل البسطاء من الناس –ممن يصغون اليهم- عن واقعهم فيعطلهم ذلك عن دورهم الانساني والاجتماعي.

فالعاقل سيدهش لا للتضاد والصراع الزائف الذي صنعه هؤلاء بين الثابت والمتغير: الدين والحضاره: الماضي والمستقبل: الدنيا والاخره: فصبغوا كل شئ بخليط غريب غامض ما بين تفاؤل وتشاؤم: انفصال واتصال: بل لان ذلك يحدث في الوقت الذي تظل فيه الارض علي دورانها حول نفسها -وحول الشمس- و مازالت المجتمعات الانسانيه تظهر نفس الالحاح –ونفس السعي الحثيث- الذي عرفه القدماء- للتزاوج والانجاب والتحضر وتنمية حاجات الانسان الاساسيه –بما في ذلك الايمان بالله: بل ومازال الانسان المسلم مكلفا –دينيا- في كل مكان وزمان - بغرس نبته واحده علي الاقل ولو كان ذلك هو اخر يوم له علي سطح الارض.

ولا ادل علي الطابع الخطر لهذا "الفكر" الا ان يضطر الانسان احيانا لأن يخرج بمقولات "ليست صادقه" او "ليست واعيه" او لن يكون لها دور في الدفع بتاريخ الانسانيه العاقل الشامل المتكامل–المتحرك بطبيعته- نحو الامام: بل علي العكس قد يكون لتلك المقولات دور سلبي يعمل علي تعطيل ثورة المجتمع وتحريف تاريخه ومن ثم جذبه الي الخلف: مثل ان يقول الانسان ان الدوله الدينيه لها سمعه سيئه بسبب ارتباطها بممارسات العصور الوسطي عند الاوروبيين والتي تختلف –حسب رأيه - اختلافا جذريا عن مثيلتها في بلادنا لاننا كنا ننعم انذاك –حسب رأيه - بالعيش في ظل دولة "اسلاميه": بينما الحقيقه هي انه لم يكن للدوله الدينيه اي وجود في بلادنا -في اي وقت- الا ابان الحقب الوثنيه بل استطيع ان ازعم وانا مطمئن ان مصطلح الدوله الدينيه بوجه عام ودولة الخلافه بوجه خاص هو مصطلح "غير اسلامي" (وقد سبقني في هذا الطرح شيوخ ازهر!).

اذ ان اي من سلاطين العصور الوسطي مثلا - وعلي رأسهم صلاح الدين الايوبي نفسه –ايقونة الرجعيين– لم يدع –وما كان له ان يدعي يوما- ان دولته كانت دوله "اسلاميه" بل سماها–في الواقع- باسمه واسم عائلته (سلطنه ايوبيه؟) فكان العرش ارثا يورث–كغيره من الممتلكات- لاخوته وابنائه من بعده (الي حد انهم تنازعوه فيما بينهم فتحالف احدهم مع اعدائهم ضد سائر اخوته– للاسف الشديد- لينفرد بالعرش بل وتنازل لاعدائهم عن اقطاعيات شملت قري ومدن من بينها القدس!) وهم بذلك لم يتبعوا سنة الرسول الكريم (الذي كان يدعو –في واقع الامر- الي دين عالمي لكل الناس وليس الي انشاء دوله دينيه) وانما اتبعوا سنة من سبقوهم من السلاطين فاطميين وطولونيين واخشيديين وامويين وسنة ارباب نعمتهم من العباسيين الذين لم يمنعهم اسلامهم –والبقيه الباقيه من حضارتهم- من ارتكاب مجازر تقشعر منها الابدان لم يفرقوا فيها بين مسلم وغير مسلم: واكبر مثال علي ذلك "محاكم التفتيش" طرف "قراقوش" - بداية بالقرن الثاني عشر الميلادي وما بعده- والتي لم يسلم منها احد تقريبا: وان اقل وصف لطرق العقاب والتعذيب التي مارسها المدعو "قراقوش" مع عامة الشعب وعلمائه بل وحتي مع جنوده من المماليك انها كانت "غير انسانيه": بل انها اشبه ما يكون بطرق العقاب والتعذيب التي مارسها الكهنه والملوك الاوروبين في العصور الوسطي (عدا الخصي والجلوس علي الخازوق طبعا فهذا شرف شرقي اصيل)

فاصبح منطق هؤلاء واجتهادهم في ايجاد الحجه تلو الاخري اشبه بمذهب بطليموس الطريف في ثبات الارض عندما قال انه "لو كانت الارض تدور–كما يدعي فيثاغورس- لكان ذلك قد تمخض عن عدد من الظواهر ينبئ عدم وجودها بان الارض ثابته لا تدور!"

وان سميته منطق فقد فعلت ذلك بعد ان استبعدت من مخيلتي كل تعريف عرفه الانسان للمنطق قبل وبعد بطليموس (والسوفاسطائيين؟) بما في ذلك تعريفات ابن سينا وابن خلدون وابن رشد ظهرت وترعرعت –لحسن الحظ- بعيدا عن مرتزقة الكتاتيب (النسخه الاصليه لجماعات الرجعيه الجاهليه) في مصر والشام والعراق وفارس والاندلس الذين كانوا يحفظون المحفوظات عن ظهر قلب دون ان يفقهوا شيئا مما يحفظون الي درجة انهم خاضوا فيما بينهم –ومع غيرهم- معارك فكريه خطيره بسبب كسره او نقطه او همزه طارت فيها رؤوس: اذ اقتصر العلم –بالنسبة اليهم- علي حفظ النصوص والتعليق عليها.

فهم -كاخوانهم المعاصرين- يتجنبون كل ما هو مختلف (شيطان؟) بدافع الوفاء لما هو شائع (صواب؟) لان ما هو مختلف يعطلهم عن الانفراد بما هو شائع (او لان كل ما هو انساني او عقلاني شيطاني بالضروره؟) بينما لم يقدهم وفاؤهم يوما للترفع عن زلفي انزلاق انحط ببعضهم الي مستوي العهر السياسي والتدله في احضان الايديولوجيات –للاسف الشديد- رغم الانتهاكات: اذ ان غاية ما كان يطمح اليه هؤلاء هو ان يصبحوا غدا علي ما هم عليه اليوم: ولذلك فالحفظ –بعكس التعلم- كان لا يجديهم شيئا ولا يستبقون في ذاكرتهم منه الا ما هو مثار اهتمامهم او ما قد يرفع من قدرهم لدي العامه من الناس.

وهكذا يصبح الانسان -بعد قرون عديده- وبعد ان نصب نفسه متحدثا رسميا و"ملاكا حارسا" (بدون جناحين؟) – كما لو كان الموضوع من اختصاصه وحده- ولو استخدم في ذلك كافة الحيل والالاعيب لصرف الانتباه عن جوهر الرساله الدينيه – اذا به يعيد الرساله الدينيه - ليس الي بساطتها وعمقها ونضارتها التي ميزتها - وانما الي محليتها وبداياتها الاولي: فينزع عنها بذلك (وبنصوصيه وضيق افق يحسد عليه) كل ما حققته تلك الرساله من نجاحات جعلت منها "رسالة عالميه" بامتياز استفاد منها –بالفعل- الجنس البشري كله: بل واكثر من ذلك نجده يحملها جمودا وغلوا وزياده وتسليما مطلقا بهذا الجمود والغلو والزياده لتتجرد الرساله بذلك من اطهر واغلي ما فيها: فاعليتها وحيويتها: كما جردها من عالميتها ومضمونها. فاصبح هؤلاء - مع كل ما قد تلوك به السنتهم من كلمات مديح وثناء في حق الانبياء: هم –في الحقيقه- الد اعدائهم!

اما اكبر دليل علي تطور تطبيقات الشرائع السماويه وعالميتها وبعدها كل البعد –في جوهرها- عن السياسه وتجانسها مع كل ما سبقها من شرائع انسانيه وتجانس الاديان الابراهيميه بشكل خاص مع حركة التاريخ: هو الشريعه الاسلاميه نفسها: اذ انبثقت الشريعه الاسلاميه مع الصحابه الاوائل "كالرجه التي تعيد الجزيئات الممغنطه الي خطوط قواها –حسب تعبير دكتور بول غليونجي البليغ- حتي انها كانت سببا في صهر الشعوب وتواليها وتمازجها وصبها في قوالب متجانسه": بعد ان كانوا اعداء متحاربين ففصلوا –او ان شئت تساموا- بخلافاتهم المذهبيه والعقائديه عن العلم والسياسه والصقوا المعرفه بحرية البحث والابداع دون قيد لغوي او عرقي حتي تحولت بفضلهم مدن المنطقه الي منارات علم الي حد استطاع معه ابن خلدون ان يفرد فصلا كاملا في مقدمته سماه "حملة العلم في الاسلام اكثرهم من العجم" قال فيه: من الغريب الواقع ان حملة العلم في الملة الاسلاميه اكثرهم العجم لا من العلوم الشرعيه ولا من العلوم العقليه الا في القليل النادر وان كان منهم العربي في نسبته فهو عجمي في لغته ومرباه ومشيخته مع ان الملة عربيه وصاحب شريعتها عربي والسبب في ذلك ان الملة في اولها لم يكن فيها علم ولا صناعه لمقتضي احوال السذاجه والبداوه ..." بل وازيد علي ابن خلدون فأقول ان اكثر حملة العلم في فجر الاسلام كانوا من غير المسلمين فكانوا مجوسا ويهود ونصاري وصابئه ووثنيين.

وان اكد لنا القران الحكيم انه نزل مكملا ومتمما ومخففا لما قبله من الشرائع فلا يعني هذا انه يقيد او ينتحل ما لحقه من العلوم او يجرها الي نضوب (حاشا لله) فما كانت لتظهر العلوم والتكنولوجيا الا باذن الله كما ان التمام والكمال لا يعني في اللغه اكمال -او اتمام- ما هو ناقص فحسب وانما يسمح المعني –ايضا- باتمام ما هو تام واكمال ما هو كامل بمعني التجويد والابداع: ولنا فيما سبق الاسلام من شرائع عبره: فلولا شريعة موسي النبي مثلا ما انتقلت الانسانيه من سحيق العصور الوثنيه تلك التي عاشها البشر–عدا اهل الدول والحضارات القديمه- شبه متوحشين شبه عرايا اقرب في بدائيتهم الي الحيوانات: الي عصور جديده اقل تشاؤما وتشددا في وحشيتها هي العصور المسيحيه واباطرتها من الرومان (الذين ضيقوا علي العلوم ولم يقروا دراسة اغلبها لاسباب دينيه وخلطوا السياسه بالدين فصار للدين اهداف سياسيه): واخيرا لولا الشريعه الاسلاميه ما عرفت البشريه طفرة العلوم والصناعه والفنون والاداب (العلمانيه؟) في العصور الوسطي ومن ثم الانتقال الي العصور الحديثه بكل ما قدمته من ثورات وافكار وخبرات وتكنولوجيا ساهمت في انتاج اشياء صارت مثابة المسلمات او أكثر ما يتناسب اليوم مع واقع ومستقبل البشر مثل الديموقراطيه والقانون المدني والدوله المدنيه.

والواقع ان عامل الزمن (والتجويد والابداع) كان له دور بارز –ايضا- في كل مراحل ظهور رسالة الاسلام: سواء قبل هجرة الرسول الكريم او بعدها: او قبل وفاته وبعدها: كما كان له اثر ايم الاثر في انتشارها.

فبالرغم من ان الرسول الكريم عاش اربعين عاما ونيف قبل ظهور الاسلام لا يكتب كتابا ولا يكاد يعرفه احد ثم عاش ما يزيد عن 20 عاما اخري رسولا ونبيا فان تعاليمه –عند مماته- لم يكن قد تقبلها كل الناس الا ما يزيد قليلا علي عشر الاف من مواطني قري وقبائل غرب الجزيره العربيه بينما لم يزد عدد المؤمنين به خارج هذه الدائره عن العشرات: الي ان اتي الوقت الذي امن به عشرات الالاف حول العالم بعد حوالي 20 عاما فقط من مماته.

والثابت تاريخيا ان الاختلاف كان اختلافا ثوريا سريعا بين عصرين حتي ان المرء لا يستطيع ان يصف الامر وصفا دقيقا حيا: وكم يعجز الناس في عجلتهم عن اختيار الكلمات امام ما يجري من معجزات فيصفون الامر كما لو كان تغير مفاجئ في سلوك الطبيعه -او في حظ البشر- بينما يكون هناك –طيلة الوقت- معجزة اخري  تأخذ طريقها الي النضج في هدوء (كشروق الشمس وغروبها مثلا؟) ثم متي ظهرت هذه المعجزه فانه لا يشعر بها الانسان في خضم انشغاله بمعاركه اليوميه التافهه وابطاله المزيفين فتذهب تلك المعجزه في طريقها في سكون وانزواء دون ان يحفل بها احد كما لو كانت "سحر مستمر" وهي في الحقيقه معجزه حقيقيه تستحق الاحتفال: غير ان الاسلام لم ينتشر –رغم ذلك- كما شرحت- فجأه او بين ليلة وضحاها: او لان البدايه العسكريه وحدها كانت السبب في انتشاره كما ادعي البعض. فلولا قيمة الرساله وعصريتها وعالميتها وواقعيتها ما انتشر الاسلام.

باختصار: ذلك الفهم القاصر الذي يعزل احكام الشريعه -والدين– ايا كان العصر الذي نتحدث عنه- وايا كان المكلف بتطبيقها- خارج اطار الزمان والمكان: فتظل العقوبات الدارجه فيها قابله للتطبيق في عصرنا الحالي بنفس الشكل-ونفس الكيفيه- كما عرفها القدماء: او يعزلها عن التراث الانساني وطبيعة الانسان بصفته مخلوق ومتغير ومتطور: او يعزل الدين عما سبقه من اديان وما تبعه من علوم وصناعه وحضارات او يحصره في دول وسياسات واعراق وثقافات: ليس "اسلامي" في شئ اذ يتعارض –في رأيي- مع تصور الاسلام المتفائل البناء للروح الانسانيه وعلاقتها بقوانين الطبيعه والمنطق (بما في ذلك القانون المدني والدوله المدنيه) ذلك التصور الذي هو -في رأيي- اهم ما ميزه.

دستور محاسبة زويل: تصحيح "تصحيح" ام تصحيح ثوره؟! (2-2)

وفي حين ان ائمة الرجعيه يفعلون ما يفعلون–بوعي كامل- لمقاومة ثورة المجتمع وكل ما من شأنه ابتكار اليات دوله مدنيه علمانيه ليبراليه تضمن التعدديه والعداله الاجتماعيه والمساواه وتطوير سبل لنمو المجتمع اقتصاديا واجتماعيا: فان المخدوعين منهم اليوم ممن لا يقرأون الا ما يحبون (وعدا ذلك فهو كفر ما عليه من مزيد!) يفعلون ذلك - للاسف الشديد- بعفويه شديده- نابعه من تاريخ تشويه المعاني وخلط المفاهيم مثل خلطهم الشائع بين التدين والمحافظه Conservatism وبين الدعوه الدينيه والسياسه وبين العلمانيه والالحاد وبين السياسه والوطنيه وبين الوطنيه كمشاعر انتماء وتفاني في خدمة الوطن والوطنيه Nationalism كاحدي النظريات السياسيه وبين الديموقراطيه وطغيان الاغلبيه Tyranny of the Majority (والانتهازيه؟) وبين الفرديه Individuality والانانيه وبين الليبراليه والخلاعه!

ويحدث ذلك طبعا في نفس الوقت الذي لا يكفون فيه عن النظر للوراء بأعين ملؤها التقديس كما لو كان التمسك بالقديم -او ما يسمي بالسلف الصالح- في حد ذاته امر الهي! فيما يدرك البعض منهم –بمزاولة القليل من الفكر- والكثير من تفحص الامور- ان الايات الكريمه التي ناقشت العبوديه وتعدد الزوجات مثلا كانت تحاول –في الحقيقه- تنظيم ذلك وفق شروط معينه تتجه اتجاها حتميا نحو انهاء كل علاقه مستقبليه بهما وليس دعوة جديده اليهما!

اذ لا يجب ان يغيب عن ذهن العاقل ان القيمه الحقيقيه للزواج تتمثل في انه عمل اخلاقي رشيد –بنفس قدر كونه عمل يترجم مشاعر معينه بين طرفين- وانه عمل اجتماعي بنفس قدر كونه عمل فردي: فالهدف الاجتماعي من الزواج هو ان يتحول المجتمع من مجموعه هائمه من الافراد والمصالح الشخصيه غير المنتظمه الي اكبر عدد ممكن من الزيجات الناجحه من ذكر وانثي (واحده) يكون متعة الوجود والسعاده القصوي بالنسبة اليهما في انشاء علاقه سويه تقوم علي شراكه حقيقيه متكامله ينعم فيها الطرفان بالتاًلف والتفاهم والمسئوليه والمساواه وينجبون الذريه في ظل مجتمع يبذل كل ما في وسعه لدعم هذه الاسره وتوفير نمو عقلي واخلاقي سليم لصغارها (وليس تعليمهم حيل تبرر لهم طبقيتهم وذاتيتهم ونزواتهم باسم الزواج والدين!).

والرجعيون السوفاسطائيون -في التفاتهم الي الوراء- وان اختلفت حججهم- وان اخترعوا فريق ثالث هو فريق البين بين او من يتمسحون بكل من الدوله الاقليميه ودولة الخلافه معا – القوميه العربيه والشعوبيه – المساواه والكهنوت: ويلصقون المحافظه والطبيعه الشكليه لثقافة حقبة ما بالاصاله والانتماء والتدين - هم جميعا سواء.

وهذه حقيقه يمكننا ان نسوق عليها مثالا بما يحدث اليوم: ففرق الرجعيه التي اجتمعت اليوم علي محاولة اعادة احياء الدستور تناسوا جميعا ان ذلك الدستور لم يسقط فقط ويخسر شرعيته لمجرد ان شرعية الثوره (التي لم تقنعهم فيما يبدو) اسقطته (فالثوره انما قامت –عمليا- ضد الاسباب التي افشلت النظام- صنيعة الدستور- وليس ضد وجه النظام –فحسب- باشخاصه ومؤسساته) كما لم يسقط الدستور (وهم اكثر من تضرر منه ) فقط لان الرئيس المخلوع القي به في عرض الطريق ولم يأبه له في كثير او قليل "فتخلي" عن رئاسته الي جهه ليست –في الحقيقه- معنيه باستلام وتسليم الرئاسه حسب هذا الدستور (تلك الجهه التي اعترفت بدورها بشرعية الثوره وتعهدت بحمايتها بعد ان نالت الثوره اعتراف العالم بأسره) بل لان هذا الدستور–في اعتقادي- مطعون في شرعيته منذ البدايه اذ لم يصدر بناءا علي اراده شعبيه حقيقيه ومشاركه فعاله من جميع طوائف المجتمع رأت انها –انذاك –وفي تلك اللحظه التاريخيه بالتحديد- في حاجه لصياغة دستور جديد: اذ صدر دستور 1971 نتيجة محاوله انقلاب فاشله علي سلطه مشكوك في شرعيتها (نتيجة الاستبداد والتزوير والتوريث من خلال نيابة الرئاسه؟) قامت بها بعض عناصر نظام قديم ضد عناصر اخري من نفس النظام (هي مؤسسة الرئاسة) احتمت بشرعيه جديده لثوره جديده لم يشارك فيها الشعب او ما يسمي بثورة التصحيح.

وهذا وضع (نزاع السلطه وتصحيح النظام) ايا كانت دوافعه لا يقتضي -بالضروره –في رأيي- صياغة دستور جديد للبلاد خاصة وان الشعب –كما قلت- لم يكن مشاركا في هذا النزاع من قريب او بعيد (ولن اتحدث هنا عن الممارسات التي تلت تطبيق هذا الدستور غير الشرعي (الذي لم يكن لصدوره اي مبرر وطني) والنظام الفاسد المزور غير الشرعي الذي حكمنا بحكم الطوارئ (غير الشرعي) لاربعين عاما بالتمام والكمال فلقد تكفلت الثوره بقول ما يعجز عن وصفه اللسان)

اذن مجرد طرح فكرة "تصحيح" هذا الدستور بعد ان كان سبب صدوره الاصلي هو التصحيح اشبه بتلميذ بليد يريد الشطب فوق شطب قديم كيلا يتيقن المصحح من خيبته!

وهذا من شأنه ايضا ان يثير الشكوك حول موقف البعض تجاه ثورة 25 يناير المجيده ودرجة اعترافهم بها او بكونها ثوره شعبيه كامله: فاعتقادي –وانا اتفق هنا مع قطاع عريض من جماهير الثوره - ان الثوره المضاده لم تبدأ بعد وانما ستبدأ قطعا فور الموافقه علي هذه التعديلات. تلك التعديلات - التي لولا استمرارهم في تعديلها- ما عرفنا مأزق التوريث وما طفح تسونامي الفساد الذي فضح ممارسات ما يقرب من 70 عاما تقريبا قضاها الشعب بين عدل مستبد ومساواه في الظلم (والفقر؟) ولما تعرضنا لذلك الظلم الفادح المتراكم الذي اضطر الانسان المصري بسببه –في النهايه- لتقديم شهداء ابرار وتضحيات من ماله وامنه وسلامه

ولي رأي غايه في السوء في "ترزيه" القوانين والدساتير وطريقة تصرفهم خاصه عندما يسترعي انتباههم انجاز ما فيضطرون الي التوقف عن حد معين لمجرد ان هذا كان ابعد بمراحل من حدود توقعاتهم: اذ انهم في نفس اللحظه التي لا تضطر فيها "ماكينات حياكتهم" عن التوقف –ولو للحظات- لاستيعاب ما حدث او ما نحن بصدده : لا يكفون عن اختراع تبريرات مثل: انما سيعود (دستور دراكولا الساقط) الي الحياه فقط من اجل هذه الفتره الانتقاليه كدستور مؤقت يؤسس لدستور جديد وهو منطق فاسد ومغلوط وغير دستوري اذ انه يشبه –اكثر ما يشبه- من يحيي الميت ليقتله!

وازعم انه ما كان لانظمة الظلم والاستبداد ان تظهر –وهو ما يبدو انه يحدث دائما- الا بظهور هؤلاء الترزيه ونظرياتهم الخادعه مثل "العادل المستبد" و"المساواه في الظلم عدل" الخ تلك التي ظهرت مع فاروق واشرأبت مع ثورة يوليو 1952 (تلك الثوره التي استفادت بلا شك من حالة الاحتقان الشعبي -انذاك- والتي اندلعت مع احتجاجات 25 يناير 1952 -او ما يسمي بحريق القاهره- والتي قام بها الشعب المصري الواعي العظيم وكان الهدف الرئيسي منها الاحتجاج -ويالا المفارقه- علي قمع الشرطه المصريه من جانب قوات الجيش البريطاني المتمركزه في قناة السويس: والشرطه المصريه بالتحديد!)

وبنظره سريعه الي المواد التي لم يقترح احد –لسبب ما- تعديلها وبنظره اخري للمواد المقترح تعديلها وصيغ التعديل نجد اننا مازلنا نتعامل مع نفس ذهنية "المعدل" الذي اباح للرئيس السابق سلطات شمولية الغي بها –عمليا- مؤسسات الدوله وشوه هياكلها وافشل الياتها فحول الجمهوريه الاستبداديه (جمهورية عبد الناصر) الي فرعونيه عائليه هدفها الاسمي الذي تعيش من اجله هو التوريث. فلا يخفي علي المتابع الفطن ان التعديلات المقترحه غارقه –بل ومشبعه- بثقافة الحزب الوطني العنصرية  التافهه التي تستبعد -بتعسف - وبمزايده كريهه- قطاع عريض من الشعب المصري ازعم انهم مؤهلون للرئاسه اكثر من غيرهم (ممن ينطبق عليهم الشروط) بايحاء ما خبيث يلمح بانه مستبعد لانه مشكوك في وطنيته وانتمائه او لانه فضل جنة الخارج علي "نعيم" الداخل (تلك الوطنيه التي سمحوا لانفسهم وحدهم بقياسها دون ان يخبرونا عن الادوات التي استخدموها من اجل ذلك) دع عنك الضرائب وتحويلات الخارج بالطبع اذ لا يندرج هذا –فيما يبدو- تحت استجداء "الوطنيه"!

اذ انه –للاسف- كثيرا ما يخطئ المرء فيتصور ان هناك من هو بمثابة "الحيازه" لمفاتيح الفضيله والوطنيه. وهكذا فانه نادرا ما نجد من ينشغل باجراء مصالحه حقيقيه وشراكه شجاعه وفعاله بين الشعب والديموقراطيات العريقه التي سبقتنا الي الديموقراطيه وعلي رأسها الولايات المتحده وفرنسا وبريطانيا واستراليا وتركيا.

ومن الطريف ان نعلم ان اي من الفراعين القدماء لم تسر في عروقه بالكامل ما يسمي بالدماء المصريه "النقيه" فقد كان المتبع –انذاك- ان يلجأ كل منهم الي الزواج من اميره من الفرع الملكي المصري الخالص (او من يظنون انها كذلك) ليقوي بذلك شرعية جلوسه علي العرش: بل ان "تحت-موس" الثالث نفسه (اعظمهم علي الاطلاق) كان ابنا لزوجه ثانويه مشكوكا في نسبها الي حد انه اضطر الي ان يتزوج شخصيه لها الحق الكامل في الوراثة الشرعيه للعرش -هي الملكه "حت-شب-سوت"- ليصبح فرعونا!

الا ان هؤلاء كانوا يدركون –فيما يبدو- بدرجه او باخري- قيمة التعايش في ظل دوله واحده تجمعهم فكانوا يدمجون الالهه الكبري الرئيسيه وان تعددت اشكالها –وسواء قل اتباعها او كثروا- في اتحاد الهي جامع –اذا جاز التعبير- يوحد هذه الالهه اطراف الاتحاد (مثل اتحاد امون-رع الشائع مثلا او امون-حوريس او رع-اتوم وهلم جرا) فيكون هذا الاتحاد بذلك هو دين الدوله او ما يسمي بالهة الدوله: وهي الهه كانت في الاصل محليه ثم اتحدت بوحدة الاقاليم وقبل ذلك بوحدة الشمال والجنوب كما حدث في زمن الملك مينا حاكم اقاليم الشمال حين تمكن من اعلان وحدة الشمال والجنوب (مدن وقري واهالي والهه) بعد ان بسط سلطانه علي اقاليم الجنوب فظهرت بذلك مصر الموحده (طوي) لاول مره. وهكذا فانه من قدر له ان يحكم مصر الموحده بعد مينا تصبح الهة اقاليم مصر جميعا الهة له ولكل المصريين.

وهو مفهوم يكاد يقترب من مفهوم الدوله المدنيه –وان كان لا يزال في اطار الدوله الدينيه - اذ انه وعلي الرغم من ان الدوله المدنيه لا تعلن عن انتماء واضح لدين محدد (حتي وان كان دين الاغلبيه) الا انها تتخذ "الايمان" بالله الخالق بوجه عام دين لها وتشجع عليه ومن ثم تحتضن جميع اديان المجتمع بنفس القدر ايا كان عدد الاتباع اذ ان الدوله المدنيه لا يعنيها –في الحقيقه- العدد الاجمالي لاتباع احد الديانات –او اذا ما كانوا اقليه او اغلبيه- بقدر ما يعنيها قيمة الدين نفسه وما تقدمه المؤسسات الدينيه والخيريه من خدمات علي مستوي الفرد والمجتمع: في ظل احترام كامل لحرية كل فرد في اختيار دينه وملته وطريقة تعبده: دون وصايه من حاكم ودون تمويل حكومي لاي طرف: فيصبح المعيار الرئيسي هو ما تجمعه المؤسسات الدينيه والخيريه من تبرعات وليس ما يحصل عليه المتدينون من نفوذ سياسي.  

وبذلك فتلك الاقتراحات في رأيي اكثر رجعيه من شرائع الفراعنه انفسهم -وبلا قلب- ومليئه بالتناقضات وخلط المفاهيم وتتعارض مع مبادئ المواطنه والمساواه والدوله المدنيه الحقه (وقانون الجنسيه؟) تلك التي تمنح الحق لكل مواطن مصري شريف –اي كان مكان اقامته- ان يحصل علي فرص متساويه مع غيره لخدمة بلده في موقع الرئاسه: طالما ان الفكر السياسي –وليس الديني- وصندوق الاقتراع هما معيار الاختيار.

كما تتعارض هذه الاقتراحات ايضا مع معطيات واقع عالمي جديد لا نملك مقاومته او تجاهل تبعاته: اذ سنكون كمن يدفن رأسه في الرمال اذا ما تجاهلناه: وانا اتحدث هنا عن اشياء اكتسبت بالفعل مرتبة الحقائق التي لا رجعة فيها ولا نقاش مثل العولمه وحوار الحضارات وثورة الاتصالات ذلك الواقع الذي "فلق" الحزب البائد ادمغتنا به لعقود –دون ايمان حقيقي به- فيما شارك هذا الواقع -في نفس الوقت -ودفعا لارادة الحزب البائد وارادتنا معه - في صنع ثورتنا العظيمه.

ولا يخفي ان "معدل" بهذا الفكر يثير العديد من علامات الاستفهام عن مدي ادراكه لحجم التغييرات التي مازالت الثوره تعمل من اجل تحقيقها. "فالمعدلون" تصرفوا فيما يبدو كمن صفع طرفي "خناقه" ليضعوا بذلك حدا لها و طرفي "الخناقه" -في رأيهم- وكما هو مقترح: الرئيس "المتخلي" والعالم الجليل المخلص صاحب نوبل رمز العلم والوطنيه الذي سأكون فخورا كل الفخر اذا ما قبل الترشح واصبح رئيسا لي: مم يجعل من السخف الحديث عن ثوره مضاده قامت بالفعل اذا كان السؤال هو: وهل اعترف "المعدلون" بالثوره اساسا حتي نتحدث عن ثوره مضاده؟

وهكذا اصبحت هذه التعديلات بذلك السؤال وحده لا تحقق الهدف منها وهو "نقل" السلطه الي الشعب والانتقال من الدكتاتوريه الي الديموقراطيه ومن الحكم العسكري –المستمر -في الحقيقه- منذ يوليو 1952 – الي الحكم المدني: كما اصبحت هذه "اللجنه" "غير مؤهله" وليست علي الوعي او الكفاءه الواجبه لتحريك مجتمع -قام لتوه بثوره- الي الامام.

واغلب الظن ان البعض لا يدرك معني كلمة ثوره او ان المعني بالنسبة لهم مازال غائبا او غامضا وبذلك فهم –في خضم هذا الغموض- مازالوا لا يقدرون جسامة "المأزق التاريخي" الذي اوقعنا فيه هذا الدستور –ونظامه- ورئيسه- وما تبع ذلك من تضحيات في الارواح والاقتصاد والامن سيأن تحت وطأتها المجتمع لعام قادم علي الاقل (حسب تقديرات اكثر المتفائلين تفاؤلا). ربما بسبب ان هذه الثوره وصلت الي درجه من التحضر والرقي استغنت فيها تماما عن اي صوره متعارف عليها من صور الغل الثوري؟  لست متأكدا. فما اعلمه هو ان الثوره لابد وان تكون نتائجها بنفس حجم التضحيات والاسباب التي دعت لقيامها والا ما اصبحت ثوره.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق