الخميس، 13 يناير 2011

99 % من أوراق اللعب بيد الصين؟ (3-4)

والسؤال: هل من أثر مازال باقيا من فكر"الأستنزاف" هذا في الواقع السياسي المصري؟ واذا كان الجواب هو نعم: هل هناك رابطه من أي نوع بين استنزاف الخارج والفساد الذي نخر نخاع السياسه الداخليه حتي أصبح اليوم أشبه بعلامه لا تخطؤها عين كبرج القاهره مثلا؟ حسنا! أزعم أننا لسنا في حاجه للوك وديكارت ونيوتن وفولتير مثلا لننعم بفهم ما مؤداه أن استنزاف الخارج وفساد الداخل قرينان ولهما –للاسف الشديد- رابط مصنوع –ربما- من نفس الماده الخام التي أوحت للساده موظفي الدوله -ضباط ومدنيين- أن يعلنوا حربا "للتبضع" علي هامش معارك الاستنزاف العسكريه ثم يعلنوا هوجة "انفتاح" -والتي "فتحت" الطريق لفتوحات أخري عديده مثل "سداد ديون مصر" و " شركات توظيف الأموال" وأخيرا هوجة "الخصخصه والبنوك "-علي هامش معركة اكتوبر ومعاهدة السلام (ثم حرب الخليج والحرب علي الارهاب بالترتيب).

ولنفس السبب فان الاستنزاف والفساد مرتبطين –أيضا- بالرجال الذين صنعوه (وربما يكون لذلك علاقه بتلك الصدفه العوراء التي جعلت من جيل الستينات والسبعينات الجيل المهيمن علي مقدرات السلطه والمال والشهره الي اليوم؟ ربما بسبب عدم وجود علاج شافي لهذا العوار النادر العجيب في أي مكان بالعالم يروق للحكومه؟). اذ يكفي أن نتتبع –مليا- القسم الأعظم من ثروات هذا الجيل المهيمن (اللهم لا حسد!)- كما تعد علينا حكومة الحزب الوطني مثلا أجهزة التكييف والهاتف المحمول والسيارات- لنصل الي نتيجه مؤداها أن هذه الثروات الطائله تطورت من اللا منظور تقريبا (قبل عام 2000) الي أن أتخذت- وفي فتره زمنيه قياسيه لا تتجاوز العشر سنوات - أشكالا أكثر وضوحا –وأكثر شرعيه- كما تطورت صنوف البكتريا الي كائنات اكثر تعقيدا ومن ثم دلفت الي عصور الديناصورات. وعندما أقول ديناصورات فأنا أقصد المعني الحرفي للكلمه لدرجة أن المرء يهتز بعنف - كشجره في مهب ريح قاسيه– ويتساءل مستغربا: من هؤلاء؟ ومن أين أتوا؟ وما الذي يفعلونه بالضبط؟ ولحساب من؟ وما هي أهدافهم؟

فعلي مستوي العلاقات الخارجيه يخيل للمتابع أن حكومة الحزب الوطني تتعامل مع حلفائها وأصدقائها علي أنهم مصدر دخل قومي للبلاد أو فرصة لاستثمار أو سلفه أو معونه أو "سبوبه" و تحاول -رغم ذلك- جاهده فرض احترام الجميع لها – ولنا - فرضا –علي طريقة "حسنه وأنا سيدك" الشهيره: فاذا ما لامها أحد– في الغرف المغلقه- علي ما يظن أنه غدر أو خسه أو دنو أو وصوليه أو انشغال مفرط ببلوغ مكانه اقتصاديه مرموقه (علي حساب الغايات الانسانيه الاخري كالكرامه مثلا) أو انتهرها دون أن يشرح أسباب ذلك ثم استغل أول مناسبه -كمباراة رياضيه مثلا- ليفضحها (ويفضحنا معها) وينتقص من قدرها (وقدرنا معها) أو حتي خاطبها برقه –كصديق- موضحا لها أن هناك ما بين الشعوب ما هو أعمق وأشمل من الأنشطه الاقتصاديه والرياضيه (بفرض أن العلاقات الاقتصاديه والرياضيه هي علاقات تبادليه تقوم بين الشعوب -في المقام الأول- علي خلفية جهود اخري متنوعه تشمل الاجتماعي والعلمي والثقافي وليست قاصره علي دبلوماسيه اقتصاديه-رياضيه جافه بين طبقة حاكمه -تدعي الديموقراطيه- وباقي الدول والشعوب) تبادر حكومة الحزب الوطني –ما ان تسمع ذلك -فورا بالرد–وبكل تعاظم ووقار منشي– وبنظرات بارده كنظرات سمك القرش البرئ المسكين الذي اصطادوه في شرم الشيخ- مدعومه بكل قنابل الدخان اللغويه علي شاكلة: السياده الوطنيه والأمن القومي والخصوصيه الوطنيه (الخ) لتذكر الجميع بفضل مصر التاريخي علي العالم والمنطقه ومعاناة الشعب المصري وسوء حظه بسبب الحروب والاستعمار والفقر المدقع عبر العصور نتيجة لذلك بل ومعاناة حكومة الحزب الوطني–أيضا- مع الشعب: ربما بسبب جهله وكسله وسطحيته وركوده وقصر نظره (عكس الحكومه طبعا) ومن ثم افتقاره الي المقومات التي من شأنها أن تجعله اجتماعيا و ديموقراطيا ومتعلما -كما يقال أحيانا في العلن ؟ أو ربما بسبب افتقاره –أيضا- الي القدرات الانسانيه والخلقيه والعقليه والنفسيه والذهنيه - كما يقال أحيانا في الغرف المغلقه ؟ أو ربما بسبب الغياب الكامل "لحكومه" يمكنها أن تغير كل هذا- اذا كان موجودا–كما تقول المعارضه؟ يصعب التيقن: ولكن الشئ المؤكد أن الأمر ينتهي–عادة- بابتسامه خفيفه ثم هزة رأس (علي سبيل العتب طبعا) وكأن لسان حالها يقول:"لم جعلتني أقول ما لم أكن أرغب في قوله؟" مم يجعلهم -بامتياز- سلاله لمعلمهم الأكبر عمدة "الزوجه الثانيه" الذي رجته زوجته -أمام الحاحه الذهاب الي غرفة نوم زوجته الجديده ليدخل بها- أن يستعفف و"يستحي علي شيبته" ويمكث معها تلك الليله أيضا -اذا كان يحبها- بل وهددت بفضحه بعد أن ضاقت بهرائه واستمراره في تبرير الأمر علي أنه انما "يرغب في الذهاب لانجاب ولي العهد" (كما لو كان بصدد وظيفه بيولوجيه بمفهومها الفيزيائي الكيميائي المتجرد الذي لا علاقه له بأي متعه حسيه سيتطوع هو بالقيام بها علي سبيل التضحيه وفي سبيل الواجب) واعتقادي أنه لا يوجد في أي مشهد من مشاهد السينما- مصطلح يؤدي ذات المعني– بعيدا عن التكلف والاصطناع - الا ذلك المشهد اذ أنه بسينمائيته البسيطه الطريفه يصبح في دنيا الواقع دالا للغايه فهو قرين–في رأيي- لأكثر نماذج وأساليب التبرير لدي حكومة الحزب الوطني شيوعا.

غير أن الواقع الداخلي–بعكس الفيلم- لا يبدو دائما شيئا طريفا مسليا بل يكون شيئا لا يطاق خصوصا لمن لا يزالون يحتفظون بقدرات عقليه ما في هذا الزمن الصعب ولا يعانون الشغف بوضع "الفطامه" (فطامة التبرير والالفاظ المبهرجه البهلوانيه) أو ارتداء قلنسوة "الحكمه" التي تشبه –أحيانا-  قلنسوة الرضع (تغطي الجبهه وتعري القفا) ثم الظهور رغم ذلك بمظهر العاقل المتزمت الوقور!

فعلي المستوي الداخلي تروج حكومة الحزب الوطني لمبادئ ربما لا تستقيم مع صورتها الحقيقيه في الخارج مثل الفرديه والخصوصيه والاستقلاليه والاهتمام بالخاص (وترك العام للحكومه ؟) والرضا بالقليل والعصاميه بمعني الاعتماد علي الذات كليا بتعفف وتفاني وتسامي دون النظر لما يملكه الغير و دون اللجوء لأحد (وبالتالي التعفف والتسامي عن أي صوره من صور التضامن الاجتماعي كالمروءه والشهامه وانكار الفساد).

أضف الي ذلك بعض المبادئ الكونفيشيه التي ما زالت رائجه في مصر الي اليوم– ربما أكثر رواجا من موطنها الأصلي بجنوب شرق اسيا: مثل "تقديس" الوالدين-وليس برهما فحسب: و تبجيل الوالد أو الزوج أو صاحب العمل بصوره خاصه بصفته الممول الرسمي للأسره أو "فاتح البيت" حسب التعبير الشعبي الدارج. وذلك بدوره يعني- وبشكل يكاد يكون دائم- أن يتدهور مبدأ احترام الأب أو الزوج أو صاحب العمل الي حد الطاعه العمياء وتبرير الخطأ وعدم المحاسبه لمجرد أنه أسعده الحظ وصار أبا أو زوجا أو صاحب عمل! وقد يتزامن ذلك مع نوع سخيف من الزيف المرضي كاصطناع العواطف بل واصطناع الغباء (أو الذكاء) أحيانا للتعبير عن هذا الولاء. ولا يخفي أن هذا يتبعه –بالضروره- تمجيدا لكل ما له علاقه بالشخص هدف التمجيد بما في ذلك ماله ومنصبه بطبيعة الحال. ويتم ذلك –طبعا- بتلقائيه شديده وبتعبيرات متأنقه طبيعيه تماما ودون أن يتساءل أحد عن الطريقه التي حصل بها  صاحبنا هذا علي المال أو المنصب: فهم يبررون ذلك التمجيد عادة بأنه من أجله هو -وليس لأنه صاحب منصب أو مال- أو ربما بسبب أنهم "مؤدبون" ولا يملكون سوي فعل كل ما هو لائق بدافع انساني بحت وبدافع من هذا الأدب أو ربما بسبب عبقريته الفذه في جمع المناصب والمال –اذا كان لديهم من الجرأه –والصراحه- ما يكفي لمثل هذا القول. ولا يخفي أن تلك الجرأه –وهذا الأدب -وهذه الصراحه- غالبا ما تكون مرتبطه –في الوعي الداخلي لكل منا- بنمط معين للشخص هدف التمجيد فالفقراء العاديين علي سبيل المثال غير الناجحين اقتصاديا واجتماعيا –وان كبر سنهم- يتعرضون في الغالب لخليط غامض متداخل من كلمات كالاحاجي متداوله دون أن تكون مفهومه -بالضروره- و تكون نتيجتها حرمان ذلك الفقير العادي كبير السن من أي تمجيد (حتي يتخلص من فقره ربما؟). كما أنه غالبا ما يختلط الأمر بين كون الشخص هدف التمجيد أبا أو زوجا أو صاحب عمل وكونه شيخا في مسجد أو قسا في كنيسه أو استاذا في جامعه أو ضابط شرطه مسئول عن تنفيذ الأحكام والقوانين أو قاضي أو حاكم للبلاد "في مقام الوالد أو الجد": فالكبير كبير والكبير له التبجيل (وان قال كلاما فارغا غير مفهوم أو أقدم علي مصيبه اخلاقيه!): ومن لم يكن له كبيرا فليتخذ كبيرا -كما في الأمثال! وهم بذلك لا يترفعون فقط عن محاسبة الكبير علي اخطاء ارتكبها في حقهم ولكنهم لا يحاسبونه علي الخطأ بوجه عام.

وهذا هو الشئ الخطير حقا: اذ أن ذلك الشخص الكبير أصبح -في نظر المجتمع- "معفي" تماما من مبدأ الخطأ والصواب أو الحلال والحرام وهو ما يعني–بدوره- أن المجتمع فقد كل قدره علي "فلترة" قيمه ومثله العليا "طالما أن ما من أحد يعلم ماذا يفعل كل مثل أعلي محترم ليحصل علي ماله أو منصبه – أو ماذا يفعل ليحتفظ بهما". ولا يخفي أنه في مجتمع كهذا يندر أن يطالب صاحب الحق الضعيف صغير السن بحقوقه من كبير السن القوي لأن مجرد المطالبه تهدد امتياز كبير السن القوي في الاعفاء من "المسئوليه" و "الحساب": اذ يملك كبير السن القوي أن يتبرأ من وعوده كلية -بل ويتبرأ من صاحب الحق نفسه- في طرفة عين وهو يعرف أنه سينجو بفعلته تلك لأن الغالبيه العظمي من أفراد المجتمع - من الضعفاء صغيري السن- مجبولون علي اجتناب كل ما من شأنه لومه (أو التلميح بلومه) والا أصبح ولاءهم –وتمجيدهم–  له موضع سؤال. فلا كرامة ولا حقوق الا ما "يمنحه" كبير السن القوي ووفقا لشروطه وفي الموعد الذي يحدده.

وماذا يحدث عندما تتحول قيم المجتمع ومثله العليا الي قيم و مثل عليا "غير مفلتره"؟ لا يحدث شئ! يتجمد كل شئ: اذ أنه في وضع كهذا يتحول المجتمع –بأكمله- الي "خادم" لقيمه و مثله العليا من الأفراد "غير المسئولين" و"غير المحاسبين" في حين نجد -علي الجانب الاخر- مسابقه وقد تشكلت للتو بين كل مثل أعلي "غير مسئول" و"غير محاسب" ومنافسه في سبيل حصول كل منهم علي التمجيد اللائق به –أو ما يظن أنه يليق به- بكل السبل وحسب شروط كل منهم وفي أسرع وقت: وبمرور الوقت يعجز المجتمع -في ظل حالة صراع الديكه تلك- عن انتاج المزيد من القيم والمثل العليا (ربما لأن هناك من يتأكد دوما من عدم حدوث ذلك؟): و بمرور الوقت تتحول كل قيمه وكل مثل أعلي "غير مسئول" و"غير محاسب" الي عاله علي المجتمع بل مفرقا ومعطلا وكابتا له -وليس جامعا ومحركا الي الأمام كما يجب أن يكون. وبتكرار هذا يفقد المجتمع كل صوره من صور الكرامه والحريه والعداله الاجتماعيه و كل صوره من صور المساواه نهائيا وبلا رجعه.

واغلب الظن أنها قيم موروثه منذ الأزل (أي منذ أجيال العبوديه والوثنيات القديمه) لم يتم مراجعتها أو تحديثها في أي وقت (بناءا علي ظهور الأديان والالغاء النهائي للعبوديه)  بل أقدم كل جيل علي قبولها –وتوريثها- للجيل الذي يليه كما هي دون تعديل -كما لو كانت كتاب مقدس من نوع ما- رغم تناقضها مع بعضها البعض أو تنوعها ما بين سلبي وايجابي - ورغم انتهاء صلاحيتها العصريه والفكريه. اذ تقضي تلك القيم –بوجه عام- بأنه لابد لكل فرد من أفراد المجتمع من سيد يكفله ويحميه وبالتالي لابد لكل سيد أو كفيل أو حامي من خادم أو مملوك (حتي يأتي الوقت الذي يتحول فيه الخادم أو المملوك بدوره الي سيد أيضا و في وقت ما): فالاب سيد الابن والمعلم سيد التلميذ والرجل سيد المرأه والمتدين سيد الملحد والغني سيد الفقير والمضيف سيد الضيف والحاكم سيد المحكوم والا انقلبت الايه (حاشا لله) وصار العكس هو الصحيح: أي صارت الفوضي هي النظام وصرنا ساده بلا عبيد أو عبيدا بلا ساده أو كلاهما معا (أشبه بما يحدث اليوم؟)  

من جانب اخر تسمح سياسات حكومة الحزب الوطني الداخليه بقدر لا يستهان به من الاستخفاف بتاريخ وثقافات –وأحيانا مذاهب واديان- الأقليات وشعوب المجتمعات الاخري في حين لا تشجع بالضروره قراءه موضوعيه وشامله للتاريخ والأديان والثقافات: بل كل الشواهد تؤكد أنها تشجع –فقط- كل ما من شأنه انسياق افراد المجتمع لمفهومها الخاص –القاصر غالبا- عن كل ذلك ومن ثم الانصهار في المجموع القيمي السائد بدعوي اننا مجتمع "شرقي" متفوق –بالضروره- لمجرد أنه شرقي و له "خصوصيه وطنيه" تاريخيه معينه ينفرد بها عن غيره من المجتمعات. وتفعل حكومة الحزب الوطني ذلك –عادة- بوعي أو بدون وعي-  بدعوي عدم الانقياد للفكر الاجنبي أو بدعوي الأصاله والتمسك بالجذور (حتي لو كان هناك نقصا معيبا بالغ السخف أو كبتا أو سوء فهم أو اضطهاد أو وعي قيمي مشوش ما زال في مرحلة الصراع كيما يصوغ نفسه في شكل فكر محدد أو شرخ في عماد الفكر نفسه –وبالتالي في الهويه- يهدد المجتمع ويؤدي الي انقسامه وتصدعه)

ولا يخفي أن منطق التفريق بين ما هو وطني واجنبي أو بين ما هو شرقي وغربي - ذكوري وأنثوي-  ديني وعلماني- فرعوني وعربي- قبطي واسلامي ثم ربط ذلك كله بالهويه الوطنيه (مع تشجيع الانصهار –أوالتكيف- مع ما هو سائد من قيم كما هو دون تعديل): هو منطق عسكري ايدولوجي شمولي من اثار القوميه العربيه المصريه –اختراع عبد الناصر والسادات- لا ينسجم مع العصر ولا يتسق مع مبادئ الفرديه والعولمه والمواطنه والحوار والديموقراطيه (التي ما زالت تروج لها حكومة الحزب الوطني-وبكل بتبجح- الي اليوم). وهو ما يوحي بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الحكومه ليست جاده  في تطوير الوعي القيمي للمجتمع من ثقافه ومعتقدات وتعليم واساليب نمو (ونضوج) لتتماشي مع العصر الذي نعيشه واساليبه (ناهيك عن المستقبل): بل والأسوء ليست جاده في اتاحة الفرصه لظهور عقول عظيمه حره ليقوموا بالمهمه نيابه عنها. وبذلك فان غرضهم يكون–في الحقيقه- وفي أغلب الأحيان- أن يخفوا عن أنفسهم –وعن الغير- أغلب ما قد يعترضهم من مشاكل اجتماعيه و تعليميه و ثقافيه و أن يخفوا –أيضا- أنهم –في حقيقة الأمر- عاجزين تماما عن تقديم أي حلول لتلك المشاكل. فهم يريدون التظاهر بمعرفة ما لا يعرفون – والتفكر بما لا يفكرون – وقول ما لا يقولون: لينالوا ما لا يستحقون! حتي صرنا –كما الاخرين- غير قادرين علي التعرف علي أنفسنا وعلي الأخرين! فالانسان اذا كان لديه حلول أو يريد الخير فعلا للوطن أي طريق يختار؟ الاخفاء والابهام أم الوضوح؟ مواجهة المشاكل والاعتراف بها وايجاد حلول لها أم الهروب؟

ومع ذلك فان المتابع يخطئه التوفيق اذا ما ظن أن الأسوء انتهي عند هذا الحد اذ أن سياسات حكومة الحزب الوطني الداخليه تسمح -أيضا– بهامش لا يستهان به من السطحيه والسوقية والحماقه (الي درجة الطيش الذي نراه جليا في شوارع قاهرة اليوم علي مستوي الأفراد للاسف الشديد) بل والتبجح بالفاحش –في أحيان كثيره- وبالخطأ كما لو كان الخطأ حق نابع من صواب: كما لو كانت الحقيقه تكون أكثر جمالا متي تعرت أو متي صارت فاحشه ودنيئه ومفروضه فرضا علي الجميع! (بينما لا تستحق الحقيقه –غالبا- أن تكون عاريه-أو جميله- أو فاحشه- أو مفروضه اذا كان من شأنها كشف فساد أو محاكمة مفسد) ويتم ذلك من خلال ثقافه ثقيله خامده استهلاكيه الي درجة النهم في اتجاه كل ما يخص اشباع الرغبات الحسيه –بالتحديد- اشباعا كاملا- وعلي رأسها الغذاء والجنس والوظيفه –طبعا- بصفتهم جل ما يصبو له الوعي البشري اذا ما تجلي في صورته الوجوديه الشامله: صورة عمدة "الزوجه الثانيه" أو "المسدس العجوز" Ancient Pistol في رائعة شكسبير "هنري الرابع" : ذلك المراوغ الأحمق الذي يغلف حتي الأفكار العاديه - ومهما بلغت درجة تفاهتها وضالة معانيها ودنوها الحسي - بغلاف البلاغه والحكمه والوقار حتي أنه في أحد المشاهد يقبل حاملا خبر وفاة الملك واعتلاء ابنه –هنري الخامس- العرش فاذا به بدلا من الاعلان المباشر عن الخبر يلف ويدور ويستمر في لغوه فلا يقول ما عنده الا بعد أن يتهدده أحد الحاضرين بالقتل! وذلك –ربما- هو تفسير ذلك الطوفان الحسي اللفظي السطحي بلا حدود الذي اجتاح حياتنا يلتهمها التهاما –وبلا عقل -وبلا قلب- ومنذ اللحظات الأولي لظهور الحزب الوطني في السلطه في منتصف السبعينات -وعبر عنه "فكر" ذلك الحزب -واصحابه -قديما وجديدا- تعبيرا واضحا مع كل ما تبع ذلك –طبعا- من تطور-ما زال مستمرا- وفي نفس الاتجاه: أي اتجاه افساد الادراك بفنون اشباع الرغبات الجسديه والحفلطه اللفظيه الي درجة الاستحواذ استحواذا كاملا علي المبادئ والمفاهيم: روح الشعب.

و بينما يتم ذلك بطريقه اليه بحته وباسم قيم اخلاقيه أو روحيه أو اجتماعيه أو جماليه نبيله كالصراحه والبساطه والتبسط والوضوح والواقعيه والثقه بالنفس: نجد أن تلك القيم تضاءلت -بدورها- واتخذت مصطلحات ضبابيه للاستهلاك المحلي منفصله تماما عن مفهومها الأصلي: فيما نجد –علي الجانب الاخر- حكومة الحزب الوطني–وربما لنفس الاسباب- لا تعترض ابدا علي تفشي أوبئه اجتماعيه وثقافيه خطيره مناهضه لتلك القيم علي طول الخط: كالكذب والخداع (باسم النضج والشطاره) وفساد الذمه والتكتم الشديد عن اشياء قد يبدو من البديهي جدا الحديث عنها من أجل فائدة انسان ما ولتحذيره (والا فسدت أو ضاعت تلك الفائده ضياعا نهائيا وضاعت معها حقوقه). وبذلك فان حكومة الحزب الوطني لا تدع للشعب من الخواطر الجانبيه ما يشتت ذهنه طالما أن كل ما يفعله هو كل ما "يشتهيه" (وهو كل ما يخطر بباله): عاريا تماما و بسيطا ومن واقع حياته: الواقع المزيف الحزين المزين بالنهم والسطحيه والاكاذيب والبخل والجبن والركود والوصوليه والهدم والاستهلاك والاستعلاء علي الاخرين وكراهية السعاده لهم ؟

الواقع الذي لن "يتطهر" أبدا--فيما اتصور- الا باستئصال "شياطين" الفساد والاستنزاف من رؤوسهم و معالجة تلك الحالة المرضيه الصعبه من الفصام بين ما تقوله الحكومه وما تفعله: اذ لا يشترط –في واقع كهذا أن يمثل الرئيس -علي سبيل المثال- أو أي فرد من عائلته قدوه أو مثل أعلي لأحد لأن الدوله رسميا ليست ملكية برلمانيه -كما كانت في عهد فاروق- وانما جمهوريه رئاسيه (ولو شكليا علي الأقل): وبذلك لا يشترط –أيضا- أن يتقمص الحزب الوطني –دائما- روح دكتور جيكل "النظيف" "الشريف" "الرشيد" "الطيب" "المبروك" العالم ببواطن الأمور صاحب المبادئ المحترم الذي يدعو –عادة – الي ضرورة استحقاق المال (أو المنصب) بالعلم والعمل والجهد المتواصل والكفاءه والصبر والمثابره والأمانه دون واسطه من أحد: اذ لا تظهر تلك الروح الا حين لا يكون مطلوبا منهم الخضوع لأي من تلك المبادئ التي يروجون لها وهذا المبدأ الأخير بالتحديد! ربما لأن جميع أعضاء حكومه الحزب الوطني -بلا استثناء- من "الساده" الأثرياء الكبار ممن تجاوزوا السن المدعمين بقوات الطوارئ المحليه المسلحه -ومن ثم من المعفيين أيضا –بالضروره- من المسئوليه والحساب؟ أو ربما لأنهم "مسئولون" فقط عن التحقق من تنفيذ المبادئ والقوانين وليس الخضوع لها ؟

يصعب الجزم: لكن لا يخفي أنه في ظل الرأسماليه الحاليه التي يجمع فيها الحزب الوطني بين حماية أمنيه غير مسبوقه تستخدم فيها مرافق الدوله من جيش وشرطه وقضاء من جانب ومحتكري الأسواق من رجال أعمال (وموظفيهم) وموظفي الدوله مدنيين وضباط محالين الي المعاش من جانب اخر (حيث يتوقف- بديهيا- ما يقدمه هؤلاء من خدمات علي درجة انشغالهم– أو عدم انشغالهم– بأعمالهم الخاصه: في حين تواصل الحكومه مطالبة الشعب بالضرائب والمسئوليات: ومنها مسئولية اعتماده علي نفسه –طبعا- في تدبير لقمة العيش: بالفساد ربما أو الهجره أو الجريمه أو العمل لدي شركات وجهات أجنبيه مشبوهه): أو ما يسمي–اختصارا- ازدواجية المال و السلطه. وفي ظل بيطراركيه دينيه متمثله في الأزهر والكنيسه مموله وتابعه تبعيه شبه كامله لحكومة الحزب الوطني كما لو كانوا موظفين لديها: نهمه للغايه لنيل الاطراء والمديح والمناصب دون أن تقدم في المقابل سوي القليل جدا –والانتقائي- من الخدمات وفي الوقت الذي تحدده (بالاضافه الي مجموعه الفتاوي الدينيه والسياسيه –طبعا- التي يطلقونها من حين لاخر –بوعي أو بدون وعي- في اتجاه التأييد الأعمي لسياسات حكومة الحزب الوطني وشخصياتها- بدلا من أن تكون سببا لخير المجتمع و رقيه و رشاده ونهوضه وتقدمه). وفي ظل نقابات وأحزاب سياسيه شبه مدجنه -شبه مموله- شبه منسوخه- من ثقافة و أفكار و تنظيمات وسياسات الحزب الوطني. وفي ظل قضاء مستسلم تماما لانتهاكات الحكومه (طالما أن أحكامه تؤجل أو يستشكل عليها ولا تنفذ ولا يعترض علي ذلك أحد).

وفي ظل انتخابات غير حره (باعتراف منظمات المجتمع المدني المحليه و الدوليه) و في ظل عدم وجود أي صوره من صور ما يسمي بالتداول الحر للسلطه: أي انتقال الطبقه الحاكمه لتصبح محكومه –أحيانا – والعكس: وبالتالي عدم وجود مشاركه شعبيه في صنع القرار السياسي: بل يوجد–نتيجة لذلك- تطرفا في الاستئثار بالرأي -أو التشيع له-:"فما يقره الرئيس منحه وما نطلبه رجاء وما يسمح بمعارضته معارضه وما عدا ذلك فهو تسليه".

أقول في ظل كل هذا يبقي الشعب (المصدر الرسمي لثروه البلاد) ممولا رئيسيا –وخاضعا- –أيضا- لسياسات وثروات وثقافات هذه الحكومة وبالتالي ممولا وخاضعا –أيضا- "لشرعية" استمرارها في الحكم و بصوره تكاد تكون مطلقه و شبه أبديه!

ومهما يكن من أمر تلك الملكيه الجمهوريه– أي كان أسمها- التي ليست بالضبط ملكية فاروق- بل أشبه ما يكون بملكيه من ملكيات دول النفط (دون نفط ؟)- فقد تحول الشعب فيها الي فرصه ما لضريبه أو سلفه أو خصخصه أو"سبوبه" أو "نقطه" – علي طريقة اللمبي– وربما تطور الأمر ليواجه لحظة ابتزاز صريح يقتضي"فديه" (لا أحد يعلم علي وجه اليقين طالما أنه ليس باستطاعة الشعب أبدا اختيار من يحكمه). وبذلك فان حكومة الحزب الوطني- وفي تلك الجزئيه بالتحديد – متسقه تماما مع سياستها الخارجيه.  

وبتحليل بسيط: يعاني المجتمع ككل-وليس طبقه "تحت خط الفقر" فحسب (حوالي 40 % من تعداد السكان)- من "واقع" الحزب الوطني ورئيسه وحكومته التي تعاني بدورها من حاله غريبه من حالات التشنج و"التحنط" الفكري كما لو كان قدرا هي مجبرة عليه أو كما لو كانت محاوله من محاولات المصري القديم لادخار "ذكاء" عقله "المحنط" من أجل حياه أخري هو مقبل عليها أكثر "ذكاءا" بالضروره! أو كما لو كان الأمر "غمه و ستزول" – كما يقال في الأمثال و علي لسان المسئولين- وهو ما يثير–بدوره- المزيد من علامات الاستفهام حول مؤهلات أعضاء هذه الحكومه العلميه والثقافيه بل وحتي النفسيه والعقليه! اذ يحدث هذا أمام تفاقم متزايد لقضايا محوريه لا تحتمل المخاطره (ربما لأنها متفاقمه أصلا منذ أجيال وتتعلق بأرزاق ومصائر أجيال) مثل البيئه والثقافه والمياه والطاقه والتعليم والصحه والمناخ (الخ) ويستتبع ذلك ظهور مظاهر مؤسفه يأن تحت وطأتها المجتمع بأسره نتيجة حادث ارهابي أو مباراة كرة قدم أو حكم قضائي لم ينفذ أو نتيجة لسياسات رجعيه متخلفه استعراضيه تعاني بخلا في الانفاق وخللا في التخطيط وتضخم متزايد في حجم الدين العام وفي أقساط الديون الخارجيه (نتيجة التأخر عن الدفع) يوازيه تضخم متزايد في حجم الانفاق الحكومي بل في حجم الحكومه نفسها وفي بيروقراطيتها ومركزيتها وبالتالي تضخم متزايد في فسادها والفساد بوجه عام.

ويحدث ذلك في ظل اقتصار الاقتصاد المصري علي عدد محدود جدا من الاسواق وخطوط الانتاج (اذ تتركز الانتاجيه –في الغالب- علي روافد قليله للغايه مثل الانشاء والسياحه والعقارات والفن والرياضه والافتاء الديني) وفي ظل سياسة احتكارات سوق ولوائح معطله وغياب الرقابه علي البنوك (وعلي الرأسماليات المتوحشه سواء محليه أو عابره للقارات) وتوعيتها لتقوم بخدمة المجتمع الذي تتكسب من خلاله أو منافستها حكوميا اذا اقتضي الأمر. وفي ظل توسع في الاستيراد (لا يقابله –بالضروره- توسع في التصدير: اذ لا وجود لسياسة تنظيم انتاج أو تنظيم استهلاك ولا وجود لاكتفاء ذاتي في أي مجال) وفي ظل فوضي غير مبرره في اسعار المواد الخام وفي ظل عدم وجود الية عامه "مسئوله" و "محاسبه" لخلق و ابتكار فرص عمل جديده وفرص استثمار وفرص مشروعات صغيره (بسبب عدم وجود حوافز من أي نوع أو بسبب عدم صيانة ما هو متاح بالفعل أو بمعني اخر: عدم وجود مشروعات حكوميه كبري للطاقه والمياه والصرف والمواصلات ولتدريب وتوظيف العماله): في ظل نظام ضريبي وجمركي-ونظام اجور-غير عادل (بل رجعي ومتخلف). وفي ظل غياب كامل لنقابات حره تحمي العاملين من بطش الرأسماليات (والحكومه؟): في ظل عدم وجود "ثقافة" عمل أساسا (وبالتالي بطاله مقنعه وكسل وجريمه وهجره عشوائيه أشبه بهروب وعدم احترام لقيم العلم والعمل والوقت). وأخيرا في ظل ثبات غريب في مصادر الثروه والدخل القومي للبلاد (وبالتالي حجمه وقيمته) وفي ظل أزمه عالميه طاحنه.

ولا يبدو غريبا والوضع كذلك أن تواصل معدلات التضخم والبطاله والأميه والمرض ارتفاعها المذهل وتواصل-في المقابل- معدلات النمو والانتاج الوطني GDP انخفاضها المذهل وبلا أي تدخل من الحكومه وكأن لسان حالها يقول: دعه "يسقط" دعه يمر! ولا أحد يسألني كيف ستمول حكومة الحزب الوطني مشروع الطاقه النوويه الذي تتحدث عنه هذه الأيام - فالحكومه لا تشرح شيئا ولا يحاسبها أحد!

بيد أن الشئ المدهش (والمقلق) حقا: أن كل هذا يحدث بينما تواصل حكومة الحزب الوطني –وبلا مبالاه غريبه - خسارة كل شكل من أشكال التعاطف الداخلي والخارجي حتي بات من شبه المستحيل أن نتوقع من هذه الحكومه أن تنجح – في أي وقت قريب- فيما فشلت فيه مرارا من قبل: قيادة الشعب الي صوره من صور الاصلاح المالي والاقتصادي (أوالثقافي أوالاجتماعي أو الزراعي أو البيئي بطبيعة الحال).

وبعلاقة ما يمكنني أن أجزم أنه بقدر ما يقل وعي المجتمع بما يحدث وما يجب أن يحدث: بقدر ما يزداد ميل الحكومة للتخلص من أعبائها والقاء تبعية تلك الأعباء علي أكتاف الشعب (وبالتالي يقل وعي الحكومه أيضا بما يحدث وما يجب أن يحدث): وبقدر ما تفرض الحكومه حالة من الغموض والتعتيم ازاء ما تفعله (ربما لتجعل من واقع "استخدام" الشعب والسيطره عليه من طرف حكومه عاجزه أكثر احتمالا ؟). في حين يزداد –علي الجانب الاخر- ميل الجيل القديم من الشعب للصمت والخوف والانسحاب من أي مواجهة قد تؤدي الي صدام مباشر مع الحكومه (وتظهر ايجابيات ذلك الجيل فقط في المجالات المسموح له فيها–ضمنيا- بالايجابيه مثل متابعة بطوله رياضيه مهمه أو الأفلام والمسلسلات والاغاني علي سبيل المثال).

 وهو مثل يجدر بنا – نحن ملح الارض من الأجيال الجديده البريئه التي تربت – ربما دون علمها - في رحاب الفساد والاستنزاف والحروب والاستبداد والخصخصه - ان نقتدي به ونجتهد فلا نسمح لأحد أن يتدخل في شئوننا الداخليه –لتغييرها- مهما بلغ من اقتحام مشكلات العالم ومصائبه وشركاته وبنوكه ومنظماته ووسائل اتصالاته لبيئتنا الداخليه. فاثارة العواصف لا يخدم الا اعداء الوطن وهم في هذه الحاله المعارضه والاخوان وكفايه و شباب 6 أبريل والبرادعي والبرلمان الموازي وحماس واسرائيل وايران وسوريا والجزائر واثيوبيا (وما خفي كان ويكيليكس!). ولنا في واقع الستينات عبره: فما هو جزاء من كان يحاول المطالبه بحقوقه في الكرامه و الحريه و الديموقراطيه الا أن يحرم منها تماما بالاعتقال والتعذيب وخسارة مصدر رزقه - فيشكروا الحزب الوطني علي أنه حرمنا منها بأقل خسائر!  

ومهما بلغ صوت الضمير الانساني داخلنا من حده و رقي – ومهما علت أنغام الحريه والكرامه الانسانيه تنبهنا الي الجوهر الخالص العاقل للوجود وللتاريخ وللروح الانسانيه في تجردها الطاهر المتفوق –دائما –بالضروره- علي مظاهر (ومطالب) الجسد – و مهما بلغ ايماننا بوجود ديموقراطي ناجح في أماكن أخري من العالم المرئي المحسوس فانه لا مفر من الخضوع –رغم ذلك- لواقع الحزب الوطني الضحل الالي المشوه: واقع قوة الطوارئ والسلطه والمال: عالم ارادة الجسد - ربما لأن البعض "أفتوا" بأن هذا الواقع هو مصر؟ ولأنه مصر فقد سبغ الله عليه –بالضروره- مسحه من رضاه؟ و حتي نكون مؤمنين -ومصريين حتي النخاع- فانه يجب علينا-بالضروره- أن نكون واقعيين؟!

وعلي أية حال - وكيلا نبتعد عن الموضوع- عندما يعلن السادات أن 99 % من أوراق اللعب بيد أمريكا (وكأنه اكتشف ذلك فجأه) لابد وأن ننصت جيدا: فربما يعني أن ال 1 % المتبقيه ما زالت حره طليقه رهن الأستخدام!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق