الأحد، 7 أغسطس 2011

حكومة "مصر امنا": ما الذي تفعله بالضبط؟! (3-1)

أظن ان الاوان قد ان –ولعل المانع خير- لان تتحول الحكومه الحاليه الي حكومة للجميع: بحيث يعود ضباط الجيش الشرفاء –مشكورين- الي مواقعهم في وزارة الدفاع ليتفرغوا لعملهم الاساسي والوحيد: امن الوطن وحمايته.

اما بخصوص دورهم في ثورة بلدهم ومستقبله فرأيهم مسموع كل في تخصصه ولا يعقل ان يتجاهل المرء رأي من هو مشارك في الحدث وجزء منه: وازعم ان كتاب التاريخ وحده هو القادر علي ان يفي كل ذي حق حقه في الاطراء –او الذم- بأنسب الالفاظ. وكما يقال في الامثال: لا شكر علي واجب ولا شكر بين الاحباء

فالحبيب النبيل صاحب المروءه لا يرهق حبيبه بشكر نظير ما قام به في سبيل حبه والانسان الصادق الامين لا يتباهي بصدقه وامانته لان ذلك ما هو الا سلوك شخصي نابع من مبادئه دع عنك اذا كان للامانه علاقه بوظيفته وما هو مكلف به ويتقاضي عنه اجرا: اذ تصبح الامانه في هذه الحاله ليست نتيجة عمل تطوعي يستطيع المرء ان يرفضه او يقبله حسب درجة ايمانه به وانما فرض عين مم يجعل – انذاك - التباهي بالامانه–وانتظار الشكر والاطراء- كأن يقول الانسان: حسبي انني لم اخن الامانه! وهو منطق غريب اشبه "بمن" ليس في محله: يشبه –في رأيي- "من" فرعون: ولقد كانت حجة موسي النبي في مقابل ذلك ان سأله: ... وتلك نعمة تمنها علي ان عبدت بني اسرائيل؟ (قران)   

وان اخطأ الحبيب واجبرته الظروف –لسبب ما- وبصفته بشر – والبشر يخطئون- علي اجبار حبيبه علي مشاعر معينه –سلبيه او ايجابيه- فلابد للجبر من نهايه ولابد للمشاعر الحقيقيه ان تتجلي. او كما يقول عبد الوهاب: عشق الروح مالوش اخر.

ولا اري اي مانع في الوقت الحالي ان نعمل بدون دستور حتي يأتي الوقت المناسب الذي نتفق فيه علي دستور وليس في هذا عيب او بدعه فما زال يحكمنا قانون وهو يحظي باحترام ناجم عن ايمان هذا الشعب بوحدة الهدف والمصير ورصيد حضاري وتاريخي (دون ان نكون مدفوعين بالضروره الي حاجه او جوع او اي صوره من صور التهديد والعقاب الجماعي كالاحكام العرفيه مثلا): وباصلاح القانون يصبح كافيا –في رأيي- علي الاقل في المرحله الحاليه –لادارة شئون البلاد.

ورأيي ان اهمية الحوار قد تنقص اذا ما شمل اشياء غير منطقيه او غير واقعيه او اشياء يعالجها البعض بصفتها غايه في حد ذاتها بينما يعتبرها العاقل مجرد وسيله وكذلك قد تتقلص اهمية الحوار اذا شمل –علي الجانب الاخر- اشياء مفهومه واهداف اساسيه قامت من اجلها الثوره: فبناء نظام ديموقراطي مثلا (بمعني اعادة هيكلة مؤسسات الدوله حسب احدث المقاييس الديموقراطيه والاداريه والتكنولوجيه باستحداث جديد او استبعاد -واصلاح- موجود) والتنميه الثقافيه والبيئيه والتعليميه والصحيه والاجتماعيه والاصلاح المالي والاقتصادي والنهضه العلميه والدستور المدني والدوله المدنيه هي اشياء لا تحتمل جدال مع رجعيين جهلاء او ترزية قوانين.

فاولئك الناس هم من انتجوا التخلف والعصبيات وفكر التكفير والارهاب والاستبداد لا المأجورون الانتهازيون وحدهم ولا عامة الشعب:

ولا يصح ان يتناول احد الديموقراطيه تناولا جديا –في رأيي- الا من يكون ذا اهتمام مباشر بها وبما تتناوله من مزايا وعلي دراية بالاشياء التي قد تعطلها وشغوف بها الي حد ممارستها في حياته اليوميه (بمعني انها صارت جزء لا يتجزأ من مبادئه في حالة وجود مبادئ طبعا): وهذه الصفات لا تتوافر –في رأيي- في ارباب سوابق في الدكتاتوريه والكهانه او من شاركوا فيهما ممن اكتشفوا فجأه بعد الثوره –كما لو كانت موضه مثلا- ان الديموقراطيه هي النظام الامثل لحكم الشعوب.  

ولابد ان اوضح ان المواطن المصري البسيط يعلم ما هي الديموقراطيه (وان كان بحاجه الي بعض الوقت حتي تصبح –بممارسته لها- جزء من حياته) ويعلم ايضا ان اسباب حدوث الظلم والفساد والاستبداد ليس في خفة الحدود او في طرق العقاب او غياب الدين عن حياة الناس (فمنذ قراقوش لم يسبق ان عرف الشعب المصري الدين –في صورة شعائر وطقوس وكتب ومؤسسات وجماعات وكهان ومدارس ورقي وطلاسم وازياء - كما عرفه في ال 30 عاما الماضيه) وانما السبب –في رأيي- كان في تراخي القضاء وعدم تنفيذ الاحكام وندرة المبادئ وتدهور –بل وانحلال- الاخلاق (وان اتخذ التدهور –احيانا- ستار من منافع ماديه او اجتماعيه او دينيه) وتراجع الايمان الروحي الحقيقي وفساد التعليم واستبدال التربيه -والمؤهلات العلميه- بالواسطه والفتاوي وقيم اقتصاديه بحته وغياب اي دور حكومي في تنمية وعي وثقافة المجتمع (الي جوار غياب مبدأ مساءلة ومحاسبة المسئولين بطبيعة الحال) وتلك هي اسباب حدوث الفساد والظلم والاستبداد

كما ان الامل في حدوث تحول ديموقراطي حقيقي ليس جديدا بالنسبه لوعي المواطن المصري البسيط وانما تأجل مرارا ولعقود مع عبد الناصر و "خلفائه" دون سبب واضح وما زال مؤجلا –بل مهددا- علي الرغم من ان هدف المرحله الانتقاليه الرئيسي هو نقل السلطه من الحكم العسكري –المستمر-في الحقيقه- منذ يوليو 1952 – الي الحكم المدني الديموقراطي: حكم الشعب (وليس نقل سجين مهم مثلا من مستشفي شرم الشيخ الي مستشفي مزرعة طره او اختراع نظريه فلسفيه ليس لها تطبيقات من الواقع): ولذلك سميت حكومه انتقاليه.

وفي الجمهوريات الاستبداديه العسكريه يهتم الانسان الفرد بمنفعته الشخصيه البحته باحثا عن المال والشهره والنفوذ بحيث يدفع تلك المنفعه دفعا الي مقدمة الصفوف كما لو كان جندي يتلقي اوامر دون ما اعتبار للصالح العام اذ ان الصالح العام صار هو نفسه صالح مؤسسة الرئاسه: اي صالح فرد

وبذلك تكون النتيجه في الجمهوريات الاستبداديه العسكريه ان الكل في تناحر من اجل اهداف فرديه متفرقه بحيث لا يجتمعون علي شئ قدر اجماعهم (وتواطؤهم؟) علي ان يبقوا في الحضيض لتعيش الحكومه الفاسده ومؤسسة الرئاسه في نعيم. اما النابغ الذكي المتعلم فينظر اليه علي انه ذو رأي شاذ وخطر داهم –ومشترك- يتكتل الناس ضده وتتعاظم جموعهم عليه ليدفعوه اما للهجره فارا بجلده او الاستسلام لرأي المجموع ولو اجتمعوا علي جهاله: فيموت ومعه نبوغه اذ يكون من الحمق -انذاك- اذا قدر له ان يعيش- ان يكشف عن نبوغه: ومن هنا يسهل علينا ان نتصور كيف كان وضع الانسان –والعلم- والمجتمع- في ظل حكم ما يسمي المستبد العادل: او المستبد الذي يظن نفسه عادلا.

ولذلك يخيل لي ان الحوار وان كان هام في هذه المرحله الا انه يجب الا يتخطي اهداف المجتمع ككل بحيث يكون المحرك الاساسي للحوار هو العمل والبحث الموضوعي وجمع المعلومات دون جلبه ودون محاولات للتظاهر بان فلان افضل من فلان او ان فلان اكثر فهما وحرصا علي مصلحة مصر من فلان اذ ان العمل في هذه المرحله يقتضي انكار ذات تام. ثم يتبع ذلك التركيز علي وضع "الرسم الهندسي" (بلو برينت) للنظام السياسي والاقتصادي المأمول ديموقراطيا وهكذا–وبناءا علي ذلك- وبناءا علي ذلك فقط- تتم مراجعة واصلاح مواد القانون وتحديد مواعيد الانتخابات (فتكون مهمة تلخيص ذلك كله –فيما بعد- في دستور جديد اسهل كثيرا طالما ان القاعده سليمه).

حتي الترزيه انفسهم لم يدعوا –ولا يجرؤون علي الادعاء- بان ما يقومون به من تطريز شيئا مقدسا غير قابل للتعديل–او انهم قادرين علي التطريز دون نموذج او رسم هندسي- والا انتقلوا بنا من خانة "الحياكه" الي خانة "البركه" ومن الاستبداد السياسي الي استبداد القضاء: وليس اكثر خطوره من الاستبداد السياسي–في رأيي- الا استبداد القضاء المتمسح بالوطنيه والتدين فذلك النوع من الاستبداد انتج قديما "شمشون" في حين انتج الاستبداد السياسي موسي النبي!

وبذلك يخيل لي ان الحوار ليس من اجل "الصلح" بين تيارات فكريه متباينه او ترقيع دستور او محاولة انقاذ مكتسبات ثوره قديمه او جمع شخصيات بعينها –هم قادة الفكر في البلاد وفقا لمن جمعهم- بهدف التعارف مثلا او الدردشه او طرح برنامج كل منهم الانتخابي ومن ثم مشاهدة صراع ديكه بين ايدولوجيات او بين علماء وجهلاء او بين اساتذه ومستقلين (ولابد وان اوضح ان هناك عداء تقليدي- تاريخي - وعلي مستوي الجنس البشري كله - بين اساتذه العلم والفكر الرسميين وبين المستقلين الهواه اشبه بالعداء بين العرس والكلاب! فالاساتذه بحكم مناصبهم وشهرتهم –وشهادات الدكتوراه – وقل عنها ما شئت- ينظرون –تقليديا- الي المستقلين من اهل الفكر والعلم بأنهم ادني منهم مرتبه والا لوصلوا الي المكانه –والوظائف- التي وصلوا اليها: اما المستقلون فيرون انه لولا ان هؤلاء (الاساتذه) نالوا تقديرا ما من جاهل مستبد –او في وجوده- لما اكتسبوا مكانتهم (ولما خربت البلاد؟) وهم بذلك (المستقلون) يؤمنون ان المعرفه لا كهنوت لها وانها لا تتجسد في وظيفه وان الجنس البشري يستغرق وقتا اطول قبل ان يكتشف من هو الجدير بوصف عالم او مفكر او مثقف: اما سبب تشبيهي للفريقين بالعرس والكلاب فهو ليس بغرض الاهانه –لا سمح الله- ولكن لان الكلب يتلقي زاده في مربطه: وهي افضل طرق الحصول علي الطعام بالنسبه للحيوانات المنزليه الاليفه: اما الحيوان البري غير المروض الذي يجد طعامه بنفسه لنفسه في رحاب الطبيعه -او من خلال سطو خفي علي احد مطابخ المنازل الخلفيه ليبحث فيه علي ما تيسر من فضلات - فليس من شك ان احترامه اقل لحياة الكلاب)

ولذلك فاعتقادي ان الحوار لابد وان يشمل كل من له رأي "علمي" –اساتذه ومستقلين- جنبا الي جنب- علي قدم المساواه: والاهم: يجب ان يلتزم الجميع بالنماذج المتاحه لاي نظام ديموقراطي وقع عليه الاختيار دون "فذلكه" .

فعلي سبيل المثال ان استدعي الامر الاختيار ما بين النظام البرلماني والرئاسي مثلا لابد ان ينحصر الاختيار –في رأي- في النماذج المثلي الموجوده بالفعل للنظام المختار: فالنظام البرلماني مثلا له نماذج في ايطاليا والمانيا وتركيا واليونان الخ والنظام الرئاسي له نماذج في امريكا وفرنسا الخ: اما محاولة الخلط بين النظامين لاختراع حل ثالث –كما يحدث دائما- فالنموذج الامثل له هو دستور 1971 (او الكتاب الاخضر؟).

والديموقراطيه ليست كيمياء نستعين فيها بعنصر من هنا واخر من هناك لتجتمع العناصر وتتفاعل وتندمج فيما بينها ومن تلقاء نفسها بمجرد اجتماعها: ولكن الديموقراطيه بحاجه الي خطط واراده:

فالديموقراطيه عمليه اجتماعيه ذات نسق متكامل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا تقوم اساسا علي العلم والفكر والعمل وليس الاتجاه نحو فرض ثقافة بعينها او دين. ويشترك في مسئوليه بناء المنظومه الديموقراطيه الفرد والمجتمع معا بمساعدة قياده تؤمن بالحريه والكرامه الانسانيه والمساواه والعداله علي حد سواء ومن خلال دوله مدنيه ودستور مدني.

والهدف من الديموقراطيه انها تتيح للشعب الية دائمه لمقاضاة الحاكم من خلال قضاء عادل نزيه منفصل عن السلطه التنفيذيه او تغييره وفقا لمبدأي التعدديه وتداول السلطه (اي من خلال عمل سياسي حر يقوم علي حياه حزبيه حقيقيه ونقابات وانتخابات مراقبه يتساوي فيها الجميع في الفرص بصرف النظر عن الجنس او العرق او الدين ومن خلال احساس كامل بالمسئوليه وضرورة تحقيق عداله اجتماعيه كامله) وبذلك فالديموقراطيه تضمن الا يضطر الشعب – كلما فاض به الكيل- القيام بثوره لتغيير طبقه ما حاكمه مستبده وفاسده اغارت علي جقوق سائر افراد الشعب

كما انه لا غني عن الديموقراطيه اذا كان مجتمع ما يرغب في نمو اقتصادي. اذ ان هناك علاقه وثيقه بين الديموقراطيه وحياه اقتصاديه سليمه كما ان هناك علاقه بين الاقتصاد وبين السياسه والاجتماع.

فالمجتمع الديموقراطي يفعل كل ما في وسعه "لتحرير" اكبر عدد ممكن من الفقراء والمرضي وغير المتعلمين من فقرهم ومرضهم وجهلهم ليصبحوا مواطنين فاعلين في ظل حياه تضمن الحد الادني من فرص العمل والحياه الكريمه وفي غياب الواسطه والمحسوبيه والتمييز واحتكار الاسواق. وفي نفس الوقت–ووفقا لهذا المفهوم- توفر الديموقراطيه منافسة عادله: فيفضل من يريد العمل الوظيفه ويفضل من يملك الفكر ورأس المال الاستثمار: اي ان الديموقراطيه تضمن تلقائيا التخلص من الظلم في حالة اذا ما اشرف عليها قاده يؤمنون بها بطبيعة الحال.

والعلامه المميزه للديموقراطيه تتمثل -في رأيي- في التخلص - بجرأه وتواضع وموضوعيه – وبكثير من الاصرار- من العقد النفسيه القديمه التي تسببت – لقرون- في ثقافة الفساد والاستبداد (كالعنصريه والذكوريه والتطرف الديني والطبقيه وتمجيد الفرد؟) فالمجتمع الديموقراطي هو –في رأيي- المجتمع العملي القادر علي التقدم الي الامام بحريه بدون اصنام الايدولوجيات التي يجرها خلفه كلما واتته الفرصه والتي طالما اثقلت حركته: والاصل ان تتسق ثقافة المجتمع ومعتقداته مع الديموقراطيه وليس العكس كما ان الهويه لابد وان تتسق مع العصر الذي نعيش فيه والمستقبل الذي نأمله لابنائنا:

اذ لا يجب ان يغيب عن ذهن العاقل الفاضل ان الانسان لم يكن -في اي وقت –ومنذ ان خرج من احراش الغاب- بصدد صنع مجتمع من ساده وعبيد: او مجتمع نخبة برجوازيه ثريه متعلمه تهيمن علي ارزاق وافكار وقلوب اناس فقراء ضعفاء غير متعلمين يأتون في مرتبه اقل (لمجرد ان الحاكم يتأكد دوما -وبصوره متعمده- من بقائهم علي هذه الحاله): وانما اجبرته بدائيته ونقص علمه ومحدودية فكره علي مجتمع الساده والعبيد حتي اكتشف الديموقراطيه.

ولان الانسان ولد وداخله ميلا طبيعيا فطريا نحو الحريه والكرامه والمساواه فالانسان الديموقراطي هو انسان الفطره الطبيعيه: ولذلك فالانسان الديموقراطي لا يؤمن بالديموقراطيه من اجل عيون الديموقراطيه نفسها كنظام سياسي واجتماعي او لانه يغار من نجاح ما لها في اماكن اخري فيلجأ اليها لتكرار هذا النجاح او لانه مدفوع للتغيير باراده ربانيه نتيجة ظلم واستبداد استمر لقرون طويله الي حد السأم: ولكن – مرة اخري- لان الانسان لا يستطيع ان يعيش بصوره "طبيعيه" الا حرا وكريما وفاعلا ومتساويا مع غيره في الحقوق والواجبات ولأنه لا يستطيع ان يطبق ذلك بصوره تكاد تكون دائمه وشبه منتظمه الا في وجود نظام ديموقراطي (حتي قبل ان يتجه نحو تحقيق عداله كامله مازال يسعي اليها)

ولذلك فالانسان الاقرب الي الكمال– في رأيي- علي علاته- هو الانسان الديموقراطي. اما المجتمع الذي يتحرك عكس فطرته الانسانيه –وعكس حركة التاريخ- فهو -في رأيي- مجتمع يضيع وقته: مصيره -لا محاله- الي تفكك وانقراض.

والانسان الحكيم هو انسان من هذه الارض يتألم ويشتهي ويعذبه الحرمان ويحلم بالنجاح والكمال وتحقيق الذات ولكنه في نفس الوقت يربط بين مشاعره وغرائزه وبين طموحاته واحلامه ثم يربط بين هذا وذاك وبين مصلحة مجتمعه علي المدي البعيد فلا تخلو احكامه من العدل الواجب او النظره العامه الشامله العميقه او تتجاهل حواسه ارادة التاريخ

ولا يخفي ان النتيجه الوحيده لعدم وجود عدل هو الظلم: والظلم وهم الفرديه الزائف

والظلم –في رأيي- لا ينجلي الا بمساواه في العدل: فالمساواه في الظلم لا تعالج ظلم بل تضمن مزيدا من الظلم والظلم لا يضمن توفيق الهي لما هو قادم:

واعتقد ان الرئيس باراك اوباما كان موفقا تماما حين وصف الامر (في معرض تحليله للنسخه المصريه من ثورة الياسمين في بدايتها): "لقد تعرض الشعب المصري لظلم شديد"

ومع ذلك فان العدل لن يري النور بالعنف وقسوة القصابين (كما لو كنا نحشي حمام مشوي بتين برشومي بحيث يقع العبء كله علي من اختار نوع التين!) وانما بالحكمه وفي ظل حريه وكرامه ومساواه (ديموقراطيه؟)

فالعدل ليس الا وهما خادعا ان لم يكن محركه الاساسي هو الاراده الحره والايمان بالفضائل ومحبة الانسان. اما الفرديه فهي زيف اذا كانت مقترنه بالانانيه وبأن يعيش كل فرد منا فردا صحيحا ومن بعده الطوفان. من حيث ان فينا جوهر واحد اعمق واعم واشمل لابد من اطلاق سراحه ودفعه الي الكمال هو الانسان.

فنحن جميعا بشر وتلك الشفقه الكامنه داخلنا–اشبه ببذره- تجاه كل ما هو انساني هي القادره علي ان تقينا شر الانزلاق الي الجرائم (قبل ان نضطر الي اللجوء الي العدل والقصاص): وهي الظاهره الاولي للاخلاق ولا تفسر الا بها كما ان الاخلاق لا تفسر الا من خلال وحدة النوع الانساني وتنمية القدره علي الاختيار. وهكذا لن تتمكن القوه وحدها ابدا –مهما كانت شدتها- من ردع المجرم وتلطيف الم المجني عليه.

ولطالما امنت انه لا يجب ان يحبط من عزائمنا ان هذه البذره جفت في وقت من الاوقات وطال امد جفافها او بدا وكأنها انسحبت في لحظة ما الي ماض ميت ليس قادرا علي بلوغ ارادة الحياه الا من خلال انكار تام للحاضر والمستقبل: فالبذره الجافه لا تموت –في رأيي- في ارض حضاره عريقه خصبه كمصر بل تستبقي قوي الحياه كامنه هاجعة فيها حتي اذا ما واتتها الفرصه وتهيأت الظروف انبعثت البذره الدفينه من ظلام الارض وارتفعت نباتا مشرئبا يدافع دفاعا لا ينقطع عن حقه في الحياه والحضاره. كما ان 70 عاما من عمر مصر اشبه بأسبوع من عمر رجل -او امرأه- عمره 70 عاما!

وقد اكون متفاءلا الي درجة الهوس فاميل الي الحدس والقياس وقد ارجح كفة الروحانيات والمثاليات احيانا علي كفة الواقعيات وقد اكون اسعد حالا في الحقول الواسعه والشوارع ومطابخ المنازل الخلفيه مع العرس ولكني في كل الاحوال اؤمن بأن "الحكمه" ليست فقط في التعقل والواقعيه والاستدلال والاستقصاء والتأني وانما الحكمه -في رأيي- ان يتزامن ذلك كله مع المغزي (العدل؟) دون ان تتحول بالضروره قيم الثابت وغير ذلك من المثاليات الي موقف تضاد مع قيم المتغير المحسوس كالخبرات الماديه والعاطفيه وغير ذلك من الواقعيات: اذ انه في حالة الحكم الرشيد يجتمع الجانبان–المثاليات والواقعيات- معا في رحاب العقل وفقا لمعطيات زمنيه محدده فتصبح النتيجه عدل ورحمه بما يكفي لان يكونا واقعيين: والا اتصف الحكم –اذا لم يحدث ذلك- بدرجه من درجات التزمت في الماديه والواقعيه في جانب (وبالتالي يصبح ايمان الانسان بالمثاليات مهددا) او درجه من درجات الوهم والشرود والغلو والمزايده في جانب اخر (فيحمل الانسان ما لا يحتمل من ثابت الامور وامور الثابت): وفي الحالتين يفقد الحكم–والحاكم- صوابه: اذ ان حماقات الوهم والشرود والكهانه لا تختلف -في رأيي- عن حماقات التزمت في الماديه والواقعيه فكليهما يقود الي نفس النوع من الطيش والتطرف (كالذي عرفته مصر في ال 30 عاما الاخيره؟)

وان الاوان ان تستغني هذه الحكومه قليلا عن نرجسيتها وميلها الي الثرثره والنظريات المتوطنه القديمه مثل "الدهن في العتاقي" و "ليس العلة في وانما فيك" فتدعم صفوفها بالاجيال التي اطلقت الثوره وفجرتها –مهما كان حجم خبراتهم السياسيه - اذ ان ذلك حق لهم وفقهم الله اليه: وخط سير الخبرات والعلوم لابد وان ينسجم ايضا –في رأيي- مع خط سير التاريخ. واذا اضفنا الي ذلك الاهمال الذي تفشي –مع الرئيس المتخلي- في اختيار كفاءات للمناصب العليا (او صنع صف ثاني من الكفاءات) والذي تزايد في السنوات الاخيره بدرجه هددت المبادئ العامه لاختيار الشخص المناسب في المكان المناسب علي مستوي كافة المناصب سواء الخاص منها والعام فاننا سننتهي الي وجود وزراء داخل التشكيل الوزاري الحالي هم اما من خارج مجال تخصصاتهم الاصليه (اي انهم ليسوا من التكنوقراط كما يدعون) او اساتذة جامعات (مدرسين نظريين؟) او في جهالة الثيران: وفي جميع الحالات لا احد فيهم لديه –بالطبع- اي حس سياسي من اي نوع (موظفين؟): اذ اتصور–عكس اخرين- ان هذه المرحله بالتحديد تتطلب سياسيين وليس تكنوقراط

واظن انه من المتاح دائما الاستعانه بخبراء من الخارج من الدول التي سبقتنا الي العمل الاداري والديموقراطي – ليعيدوا هيكلة المؤسسات وليدربوا الاجيال الجديده علي خبرات –واساليب- اداريه حديثه حسب معايير ديموقراطيه سليمه واصيله: فنعد بذلك كفاءات عصريه طاهره من كل عقد الماضي لتكون النواه التي تنشأ منها نهضتنا

وبدلا من "تحفيظ" كل جيل خبرات الجيل الذي سبقه بحذافيرها كما لو كانت سر عسكري او خلطة عطاره بكل ما تحمله تلك الخبرات من خطأ وصواب (وبسرعه قبل ان يختفي الجيل القديم في طيات العدم فنصبح كمن يتعمد نقل الخطأ في غلاف من الصواب): وبدلا من ان يتولي البعض ايهامنا بمعارفه وبطولاته السابقه (ونحن اعلم الناس بها) يبدأون في وضع استراتيجيه لما يجب ان يكون عليه الوضع في السنوات القليله القادمه علي مستوي جميع الوزارات. وليبدأوا في تنفيذها فورا بمشاركة هذه الاجيال.

والعلم نور: والعلم لا سن له: والعلم لا وطن له

وهكذا ان شاء الرئيس المنتخب –وحكومته- تعديل شئ ما في هذه الاستراتيجيه فله ما اراد (وسيكون عليه رقباء) ولكن ان يبدأ كل رئيس في كل مره من البدايه وكأنه صار عليه ان يتعلم كل معارفه وتجاربه من خلال عبوره السريع بقصر الرئاسه (فتكون النتيجه ان يقضي الرئيس فترة الرئاسه كلها في محاوله لصنع فتره جديده دون ان يبدل مسمار!) او كأن من سبقوه هم في الحقيقه "سكان مستوطنات" غير قانونيه سيضطرون حتما –في يوم ما- الي اخلاء مستوطناتهم: او ان تكون الاصلاحات متصلبه ذات حلول قديمه شائخه (كرجالها؟) وغير عمليه جزئيه او هامشيه غير ذات قيمه اوخجوله تظهر حسبما تكون الحاله وعلي مضض كما لو كنا بصدد ظاهره نادرة الوقوع اشبه في ندرتها بعنقاء شمطاء لا تظهر الا مرة واحده كل 1000 سنه لا لشئ الا لكي تحول كل ما تنظر اليه الي حجر او تحرق عيون الناظرين بنيران نعرات وعصبيات قديمه (كنا قد ظننا انها ماتت وانتهت):

او كما لو كانت مهمة الحكومه الانتقاليه (وانا اتحدث هنا بصوره اكثر تحديدا) هي تجميد الوضع علي ما هو عليه والتصرف كما لو كانت "عابر سبيل" او "فاعل خير" كل مهمته ارسال "مصلح اجتماعي" من هنا او هناك في كل مره تحدث فيها مصيبه في حراسة فرقة امن مركزي بمعدل جندي لكل شاكي حسب الحاله: فهذا بالضبط ما كان يحدث قبل الثوره: حين كان الشعب غير قادر علي محاسبة حكومته وحين كانت الحكومه دائما في مرحلة بنيه اساسيه للنظام –وتسديد ديون- لا تتخطاها فلا تعبأ من قريب او بعيد بنشر وعي او علم او ذوق او ثقافه (او عدل؟): فترسل قسا او شيخا (بركه؟) بدلا من الاهتداء الي حلول سياسيه لمشاكل سياسيه

 مره اخري: هذه الحكومه في حاجه حقيقيه الي الارتفاع فوق مستوي الايدولوجيات والبدء فورا بوضع استراتيجيه لنفسها و"بلو برنت" للنظام في حضور شباب الثوره والخبرات الديموقراطيه العالميه وبمشاركتهم.

هذه الحكومه في حاجه حقيقيه الي امتلاك حس علمي سياسي وليس روحاني واخلاقي ووطني فحسب: بحيث تخرج بحلول "حكيمه" وفقا لمنظور مستقبلي بمنأي قليلا عن "الدروشه" والدراويش بكل انواعهم. واكثر من ذلك: هذه الحكومه في حاجه حقيقيه الي ان تستمع الي نبض الشارع: بمعني تخرج بالحلول قبل ان يخبرها الشعب بما يريد.

فاحتفاليات ميدان التحرير وزيارات محلات الفول والفلافل وتجديد 15 يوم في 15 يوم لكل "ضيف" من "ضيوف" النظام البائد (ومحاكمات عسكريه وحبس فوري لعامة الشعب وثواره؟) والمقابلات التليفزيونيه الحميميه ذات الطابع الابوي او الرومانسي او التهديدي والقيام بزيارات خارجيه غير مفهومه علي طريقة نصف "عمره" ارخص من عمره كامله: لن تحمي الحكومه: ولن تصنع ديموقراطيه ولن تصنع سياسات.

ولابد وان اشير ان انتخابات او دستور بدون بناء هيكل اساسي لنظام ديموقراطي سليم او سياسات بدون استراتيجيه بالضبط كأن يستخدم الانسان قطعه من الاف القطع التي تدخل في تركيب اله من الالات دون ان يقدم بالضروره علي تركيب الاله او ان يضع القطعه في مكانها (هذا في حالة الاستغناء تماما عن سياسة التعيينات بطبيعة الحال).

واذا كانت هذه الحكومه لا تدرك ان الشعب المصري عاطفي بمعني "عاطفي" (اي دون ان يتنازل بالضروره عن عقله وذاكرته في سبيل عواطفه!) فهي مخطئه وستدفع حتما–من رصيدها- فاتورة فهمها الخاطئ وتضليل الرأي العام (كما دفع غيرها؟).

فكلنا نعرف انه عندما يخرج الشعب ليطلب ما يريد تتبدل الامور الي ما لا نريد!    

اريد ان اعرف ما الذي تفعله هذه الحكومه بالضبط؟ وما الذي تغير في طريقة عمل الوزراء؟ وما هي "الرؤيه السياسيه" لكل الوزارات معا ولكل وزاره علي حده وما هي قائمة الاهداف والاولويات وما هي الخطط (اذا كانت موجوده) وما هي البرامج الزمنيه لتنفيذ هذه الخطط؟ وما الذي تحقق منها؟

ولا احد يقول لي دع الحكومه تعمل او انها مازالت في حاجه الي وقت اذ اننا في مرحله دقيقه تختلف عن اي مرحله اخري عاشتها مصر بحيث ان كل يوم يمر له قيمه:

كما انه من الصعب توقع نظام سياسي واقتصادي افضل اذا كان المصريون الذين عاشوا طويلا خارج دائرة المعارف الحكوميه وخارج دائرة صنع القرار السياسي سيواصلون العيش خارجه بانتظار الديموقراطيه! اشبه باحدب نوتردام في رائعة فيكتور هيوجو او الخادم الذي ظل يعرف كل ركن من اركان الكاتدرائيه الا انه خارج تلك الجدران في عالم حبيبته يكون ضائعا غريب في عالم مجهول: ناهيك طبعا عمن عاشوا –لاجيال- خارج البلاد هاربين من الجهل والظلم والاستبداد والفقر ومع ذلك مازالوا يعاملون اليوم كما لو كانوا سائحين: او كما لو كانت مصر ملك طائفه معينه دون غيرها هي وحدها التي تعرف مصلحة البلاد!

اريد ان اعرف –ولدي الفضول الكافي- اذا ما كانت خطط هؤلاء الوزراء ستوفر لنا مثل هذه المكاتب المكيفه الفاخره التي يجلسون فيها او ستنفع المتعلم الذي يبحث عن وظيفه او الفلاح والعامل المصري البسيط كلهم علي حد سواء: اريد ان اشعر ان المساواه ليست فقط في فرص الثروه وحق الاقتراع وحق اللجوء الي القضاء ولكن ايضا في فرص الصحه والنظافه والتعليم والعمل والوعي السياسي.

اذ لا يكفي - علي سبيل المثال- ان يخرج علينا احد خفيفي الظل من المبتسمين دائما (كما لو كان محلل بورصه او مذيع نشره جويه علي وشك ان يخبرنا بمصيبه) ليخبرنا ان النمو الاقتصادي في مصر العام القادم سيكون ما بين 5-5.5 % وان التضخم ينخفض وان فرص العمل ستزيد ثم يختفي ويتركنا مع عشرات الاسئله ووجبة عشاء زادت 50-55% عن سعرها الذي اعتدنا دفعه منذ شهر مضي تقريبا

هذه الحكومه ترتكب خطأ فادح –في رأيي- اذا اعتقدت ان المطالب الفئويه ليس لها علاقه بالثوره او ان مطالب الشعب السياسيه ليس لها علاقه بمطالبه –وشكاواه- الاقتصاديه: وترتكب خطأ أفدح اذا ظنت ان الجيش سيحميها

ولي الحق في ان اكون متشككا من اي حكومه يكون دافع الامور بالنسبة لها هو الدفع نحو التهدئه وتجميد الامور من اجل امن واقتصاد فيما تروج –علي الجانب الاخر- او تسكت ازاء- نعرات عصبيه تتخذ من الوطنيه والدين ستار لها: في حين ان الاسباب التي تدعو للتفاؤل علي المستويين الامني والاقتصادي ليست في الحقيقه اكثر من مجرد وعود فلا شئ يضمن ان اي منها سيجد طريقه الي ارض الواقع قريبا: اذ يحدث ذلك في ظل غياب استراتيجيه وغموض الرؤيه السياسيه وفي ظل عدم بناء نظام يحل محل النظام الساقط كما ذكرت

ودع عنك تحقيقات الفساد التي تنشر غالبا في مانشتات عريضه حمراء كما لو كانت انجازات في حد ذاتها فهي- رغم سروري البالغ بها- وشماتتي المشروعه في ابطالها- لا تتعدي كونها "تحقيقات" قضائيه بحته لا توحي بانها ستتحول يوما ما –بالضروره- الي احكام قضائيه: والاهم: لا علاقة لها بالسياسه

اذ كيف تسهم تحقيقات القضاء وحدها في بناء ثقه -تكاد تكون منعدمه اصلا- اذا كان الهيكل العظمي الذي يمكن ان يمنع تهاوي -وانهيار- جسد الوطن العزيز مازال غائبا واذا كانت الظروف التي ساهمت في ظهور هذه العقول الاجراميه المريضه مازالت مهيأه؟ واكثر من ذلك مازال يجتمع بين يدي الحكومه –في مزرعة طره- كافة المعارف الاجراميه من اقصي اطرافها الي اقصي اطرافها فتكون النتيجه –ربما- أن يقضي المتابع حياته في شرح العلاقه التي قامت بين هذه الموجه من عمليات النهب وتلك

الشعب يريد ان يعرف كيف ان هناك – الي اليوم - اناس من النظام البائد والحزب المنحل – سواء داخل التشكيل الحكومي او خارجه- خارج دائرة المساءله والحساب وكأن الامر لا يخصهم او كأن هامان خير من فرعون! الشعب يريد ان يعرف ما هي خطة الحكومه لاسترداد الاموال المنهوبه داخليا وخارجيا –من "جميع" البلاد- وما اذا كان الامر يشكل اولويه ؟

الشعب لا يريد ديباجات علاقات عامه او كتب انجازات: الشعب لا يريد اكاذيب: الشعب يريد اجابات صادقه دون ان ترهقه الحكومه كثيرا بحديث مبتسر او تفاصيل لا طائل من ورائها:

فلا يخفي ان التعرف علي ما هو جيد –وما هو عكس ذلك- هو الذي يمنح الانسان القدره علي التمييز بين الصالح والطالح وتقدير الصالح ومن ثم خلق اعمال عظيمه مصيرها الخلود

وعلي سبيل المثال: تكاد تبدو لي رؤية وزير الخارجيه –ناهيك عن رئيس الوزراء- غامضه ومرتبكه الي حد يكاد المرء يتساءل عن المبادئ التي قامت عليها خطته وقائمة اولوياته (اذا كان هناك خطه وقائمة اولويات): فلا تفسير مقنع لسياسة التجاهل المريب تجاه دعوات امريكا والاتحاد الاوروبي مساعدتنا تخطي هذه المرحله الانتقاليه واعادة بناء دولتنا وديموقراطيتنا وتطوير اقتصادنا: والبحث عن ذلك في اماكن اخري.

ويعلم السياسي العاقل ان مبدأ استقلال القرار السياسي لا يجب ان يمنعه من اللجوء احيانا الي اصدقاء خصوصا اذا كان هناك ظروف استثنائيه تقتضي ذلك: لكن السياسي العاقل يعلم ايضا ان عليه ان يحسن اختيار الاصدقاء فيضع علي رأس قائمة اولوياته منهم من له نفس الفكر والمبادئ او الفكر الذي ينوي تطبيقه فيما يؤخر ترتيب من كان فكره مختلفا قليلا ولكن محتملا (بمعني ليس معاديا او مضادا):

فالفكر –والمبادئ- لا يقل اهميه –في رأيي- عن عوامل الجيره والدم والثقافه والعواطف والاقتصاد بل يهيمن عليها: والفكر -والمبادئ- هو الذي يصنع السياسات وليس العكس: فلا سياسه ولا اقتصاد –وبالتالي لا امن- بدون فكر: وبالفكر يتسامي الانسان علي خلافاته الدينيه والعرقيه والمذهبيه والعاطفيه والاقتصاديه والعسكريه والحقوقيه ويجد لها حلولا من نوعها وحسب اولويتها: وبالفكر والسياسه والتسامح–وليس العداء- يستقل الانسان ويصنع اصدقاء

والعلاقه بين المذاهب الفكريه -في رأيي- كالعلاقه بين النجوم والكواكب او الكواكب وبعضها البعض او العلاقه بين الشهب التي تنقل مبادئ الحياه وعناصرها الاوليه -عبر الكون- الي الكواكب المهجوره الميته وتلك الكواكب داخل  كل مجموعه من المجموعات النجميه: اما الاعداء المتصادمين فهم في الغالب كواكب انتحاريه مقفره ترفض الحياه وتكتفي بايدولوجيات غير عاقله وغير موضوعيه ومن ثم يكون حافزها الاساسي هو الاصطدام من اجل التعجيل بالموت: او كواكب ميته ذات ايدولوجيات غير عاقله وغير موضوعيه تحاول التحرش بكواكب حيه ذات مذاهب فكريه ذكيه متميزه وتفكير عام متناسق (او نجوم ذات تفكير شامل متكامل) من اجل نفس الغرض: الاصطدام والتعجيل بالهلاك

فالفكر الموضوعي الصادق هو الذي يشع ضوءا اصيلا –لا شرقي ولا غربي- نابعا من جوهر وجوده ومن ادراكه ان اثر الفكر هو الاثر الباقي دائما عبر القرون وعبر الجغرافيا وهو الذي يتخذ لنفسه موطئ قدم وموضع راسخ علي مسرح التاريخ الانساني وتاريخ الحضارات: بل تاريخ الطبيعه نفسه

ولا يخفي ان علاقات ليست مبنيه علي فكر غالبا ما تكون محاصره بالمغالطات والزيف والتشكك والاكاذيب والارتجال والتناقض والعشوائيه والتنافر: وبهذا –وبناءا علي ذلك- فالجار –او الشقيق- الذي يشاركني فكري هو اصدق اصدقائي.

الا ان هذا ليس ما يحدث -علي الارجح- في غرفة صنع القرار السياسي في وزارة الخارجيه المصريه اذ كثيرا ما يسمع المرء انباء عن علاقات وديه للغايه علي جميع المستويات –تتخللها احضان وقبلات-مع نظم لا تشارك مصر "الجديده" نفس الفكر بل غالبا ما تعاديه –وتحاربه- بوضوح تام: وفيما تبدو لي دوافع هذه العلاقات في اغلبها  اقتصادي او كيدي (بمعني اغاظة طرف علي حساب طرف او مغازلة طرف لتوليد الغيره في نفس طرف اخر) اجد خلافات تنشأ-في نفس الوقت–لاسباب غير مفهومه- مع دول قد تشارك مصر "الجديده" نفس الفكر ونفس الطموحات (بل واحيانا نفس الجغرافيا)

وفيما تلتحم الاحضان والقبلات تتصاعد الخلافات علي وتيره اقل وصف لها هو انها غير منطقيه او غير مدروسه او ناشئه عن تزمت وضيق افق له رائحة مصالح ماديه بحته او كراهيه: فتكون النتيجه بالتالي تشوه ظاهر في مفاهيم المصري البسيط وانحراف للثقافه وتحريف لبعض الحوادث التاريخيه: ولا عجب والوضع كذلك ان تكون اغلب السياسات هي في الواقع ردود افعال واغلب ردود الافعال لا تتعدي فورة حماس عاطفي جارف ما يلبث ان ينقطع او يستمر في فورانه دون وعي لينزلق بالسياسه لصالح فراغ - او اتجاه عدواني موروث - وله بيئه خصبه - ازعم انه البدايه الحقيقيه للتعصب والحماقه ومن ثم وضع مبدأ موضوعية الفكر وتناسق المبادئ –بل ومبدأ استقلال صنع القرار نفسه- في موقف دفاعي خطر غالبا ما يؤدي الي تخبط لا يعفي صاحبه من السؤال (وهي نفس سياسة الرئيس المتخلي للاسف الشديد)

والمثل الحق لذلك التخبط هو اثارة موضوع عزم مصر اقامة علاقات مع النظام البيطرياركي المعادي لمصر ولشعبه (وللديموقراطيه؟) في ايران وفي هذا الوقت بالتحديد: في نفس الوقت الذي تشجع فيه الحكومه مناخا معاديا للغرب ولاسرائيل بدعاوي اغلبها منتهية الصلاحيه وذات دوافع رجعيه قصيرة النظر تدور في دائرة القوميات القديمه والتي تصنف كل ما له علاقه باسرائيل كما لو كان معادي للقضيه الفلسطينيه (شيطان؟) وكل ما من شأنه العداء لاسرائيل –والغرب- هو البرهان الكامل والدليل الدامغ علي الاصاله والاستقلال والوطنيه والتدين: اذ انه حسب فهمهم للقوميه لا تكون القوميه قوميه الا اذا كانت "مختومه" بالعدوانيه والحماقه والتامر: ترتب الخطط وتحشد الحشود وتوحد الجهود وتأوي كل من ليس له مأوي وتتوسع في البلاد –تحت ستار من الوحده والعروبه- وان جري ذلك بمفهوم استعماري بحت -او استخدمنا لحسابه احد "المرتزقه المتحمسين" - من اجل عداء استراتيجي دائم مع قوميه –او حضاره- او ديانه- اخري كهدف اسمي! (مع تحفظي علي بعض سياسات –وتصريحات- رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي وتأييدي الكامل لوحدة شعبي الضفه الغربيه وقطاع غزه تحت قياده "ديموقراطيه" موحده: علي ان يكون هدف المتوحدين دوله ديموقراطيه وليس الوحده علي الطراز الكلاسيكي الكيدي – طراز عبد الناصر- وحدة الحكومات ضد الشعوب او وحدة العدوين لمعاداة عدو ثالث او وحدة "مصر امنا"!)

ويحدث هذا في الوقت الذي يبحث فيه العالم كله عن سلام عالمي وعن نهايه لعصر القوميات والبيطرياركيات الدينيه في صورة عمليات سلام جديده تضمن الحقوق او تستعيدها او تطور ما تم فعلا من عمليات سلام

وعلي الجانب الاخر (وهو الاكثر الحاحا) تتصرف الحكومه كما لو كانت  تنتهج نفس سياسة "افتح يا سمسم" في السنوات الاخيره التي غالبا ما تفضل الاقتصاد -وتعطيه اولويه مطلقه- علي المبادئ والعلاقات السياسيه والاجتماعيه طويلة المدي فتنزلق انزلاق شبه تام في حاله من حالات التدله–اشبه بعهر سياسي- في احضان دكتاتوريات عصابيه قائمه علي "العبوديه" الاقتصاديه والجنسيه مثل روسيا وغيرها:

دع عنك نظم دكتاتوريه اصبحت باصرارها علي الدكتاتوريه ومحاربتها لشعوبها -وللديموقراطيه- وانتهاكها لحقوق الانسان وحقوق الاقليات وحقوق المرأه وتوفيرها ملجأ امن للدكتاتوريين الفاسدين من ناهبي ثروات شعوبهم - وقل ما شئت عن "مصر امنا"- اشبه بخبر سيئ لن يزيد مبادئنا الا نقصانا ولن يضيف الي سياساتنا الخارجيه الا ازدواجيه (تلك المبادئ التي لم ترتفع بنا الي عنان السماء الا بفضل ثورتنا المجيده في 25 يناير الماضي: وثورة 25 يناير المجيده بالتحديد)

ولا احد يسألني عن واقع انتماء بعض هؤلاء الساده الافاضل من ملوك وامراء الشرق وبذخه الي مله او لغه او عرق او جغرافيا ولكن السؤال –في رأيي- يجب ان يوجه اليهم: 

فالدين الاسلامي دين قيم ومبادئ وفكر وسلوك قبل ان يكون دين "شهادتين" وهو "دين عالمي" فالمسلمون منتشرون –ومكرمون- في جميع انحاء العالم ولا احد يحاربهم لانهم مسلمين بما في ذلك ما يسمي ببلاد "الصليبيين" باعتراف خصومهم من "الايوبيين"! ولكن بسبب خلافات سياسيه وثقافيه: والخلط الشائع بين تلك الخلافات والدين يتيح للبعض –ومنهم مسلمين- ايقاظ نعرات طائفيه ومذهبيه وعصبيات عرقيه من الممكن ان تتسبب في تجديد عداوات تاريخيه ازعم انه لن ينتصر فيها احد في النهايه بل سيكون ضحاياها من المسلمين اكثر من غيرهم فالتعصب – والارهاب- لا يفرق في الغالب بين مسلم وغير مسلم: ومن لا ينفعه "ايمانه" فيحثه علي تحرير شعبه من مغبة الطغيان او يمنعه عن قتل ابناء شعبه بسلاح شعبه او نهب ثروات شعبه بدلا من انفاقها علي اصحابها: لا ينفعه "دينه": وبالتالي يكون اي حديث عن الانتماء المشترك لدين –اي دين- في رأيي- في هذه الحاله- غير ذي مغزي

اما الشئ المحير حقا ان ذلك يحدث في الوقت الذي تكاد تتجاهل فيه حكومتنا "المباركه" الشعوب المجاهده الكريمه التي تقوم بثورات كثورتنا (وكأن الامر يخص "شباب" الثوره وحدهم): فلا تدين البطش الجائر والعنف الغاشم الذي تمارسه مسارب الشر والطغيان يوميا ضدهم ولا تعين ابطال هذه الثورات–علنا- بقدر ما تستطيع فترفع عنهم الظلم الواقع عليهم

لابد وان من وصفونا قديما بالبدع والاستعراض وصنع "خوازيق" في صورة مسلات لتمجيد انتصاراتنا ومحو اي ذكري لانتصارات الاخرين فعلوا ذلك لاسباب مقنعه! ولكن هل للعنة الفراعنه علاقه بالبرود؟ يجوز.

واتساءل: متي سيذهب رئيس الوزراء المحترم ووزير خارجيته الي تونس ؟ (علي الاقل ليقدم الشكر للشعب التونسي الكريم علي ثورته العظيمه التي الهمتنا وعلي رعايتهم لابنائنا المصريين علي الحدود الليبيه التونسيه): متي سيذهب الي بني غازي وابيدجان ويعرض –علنا- تقديم مساعدات؟ ومتي سيقرأ الفاتحه –علنا- علي ارواح شهداء اخواننا في ليبيا والبحرين واليمن وسوريا ويحاول –بكافة الخيارات- وقف المجازر التي تحدث هناك يوميا ؟

بكلمات اخري: متي ستعتبر حكومة "مصر امنا" المحروسه نفسها "راشده" بما يكفي لتكون "مسئوله" عم يحدث حولها من متغيرات هي سبب فيها –شاءت ام ابت- وجزء من احداثها بصفتها مصر الاخت وليس الام؟ متي ستكف عن سياساتها التامريه مع طواغيت الظلم والطغيان وتتخلص من داء التكالب المسعور علي ما تحويه مغارة علي بابا من كنوز؟

متي ستطور الحكومه فكرها -وسياساتها- ليرقي الي مستوي عالمي -ومتحضر- بنفس عالمية وتحضر ثورتها التي ابهرت العالم؟ فتطور علاقات كريمه ذات منافع اقتصاديه متبادله تمضي في اتجاهين وفقا لاولويات ومبادئ وافكار سياسيه –غير عنصريه او طائفيه-  بحيث لا تفرط في قيم الشجاعه والمروءه المصريه الاصيله وتحافظ –في نفس الوقت- علي صداقات حقيقيه مع دول العالم الحر ذات طابع اخذ وعطاء؟ او حتي مجرد العطاء فنسدد جزء من ديوننا او نعين محتاج ويكون اجرنا علي الله!

متي ستشفي الحكومه من "حول" - اشبه بعاهه مستديمه- لتنتقل بعقارب بوصلة سياساتها الخارجيه الي قضايا في الجنوب والشمال والغرب لا تقل الحاحا ونبلا عن قضايا الشرق؟

فالتاريخ يعلمنا ان الجنوب والشمال والغرب كان دائما مصدر صداقه وتعاون وتجاره: ولا يخفي ان علاقات ايجابيه قويه راسخه بافريقيا –وعلي رأسها دول حوض النيل- وعلاقات ايجابيه قويه بدول البحر المتوسط كلها بدون استثناء وعلي رأسها فرنسا وتونس وليبيا –الي جوار الولايات المتحده وبريطانيا - ستسهم اليا في تقديم حلول- او خلق فرص جديده لحلول-للقضايا الاقليميه ان لم تضمن استعادة مصر دورها الاقليمي المحوري الذي لم يعرف حياه ولا ازدهار -منذ الدولة القديمه- الا وفقا لهذا النهج.

وفي رأيي هناك مسلكان فيما يتعلق بالتخلص من ادمان النفط: ان يكون لدي المرء شئ من الثروه وهذا لا يتأتي الا بالاستثمار في العلم والبحث والتنميه وخلق فرص عمل وحوافز استثمار في صورة مشروعات كبيره وصغيره وتدريب عماله ذات جداره وكفاءه تكون بمثابة الكاشف عن مناجم الثروه ناهيك عن الاتصال بمستثمرين لهم فكر ديموقراطي كأولويه اولي (لا اناس يرغبون في ان تتحول مصر الي تايلاند او روسيا): او ان يستمر المرء علي حاله من الفقر دون ان يتنازل بالضروره عن مبادئه: والمسلك الثاني اصعب واكثر تعقيدا وقد يتطلب وقتا وصبرا وهو –لذلك- اقل شيوعا ولكنه قد يؤدي - في النهايه- اذا ما تنازل الانسان قليلا –بشجاعه وثقه في النفس- عن عقده - الي المسلك الأول ...

والحقيقه ان هذا مجرد مثل من امثله عده لحالة التخبط الفكري والسياسي التي تعاني منها الحكومه: وازعم اننا بصدد مؤشرات لبدايات تمضي بنا –بقصد او بدون قصد- في اتجاه "خطير" معاكس لروح الثوره وهذا مفهوم من مفاهيم الثوره المضاده: اذ ليس بالضروره ان نستيقظ بين ليلة وضحاها لنجد الثوره المضاده وقد استيقظت قبلنا واستحوذت علي دفة الامور لصالح فرد او ايدولوجيه او جماعه ولكن قد تكون الثوره المضاده في استمرار القديم ومقاومة التغيير:

وقد تكون الثوره المضاده في اجندة التغيير نفسها بحيث يتم توجيه دفة الامور في اتجاه ايدولوجيه او انتخابات معينه قبل ايجاد القواعد –والشروط- والادوات التي تضمن وجود –واستمرار- نظام ديموقراطي اصيل: او تكون في كيفية توجيه الدفه نحو "تصحيح" مثلا بدلا من التغيير او الدفع بتغيير جزئي نحو اجزاء وتجاهل اجزاء اخري وما يتبع ذلك عادة من خلق حاله من الدوران حول النفس (واسالة لعاب؟) لكل من حلم (وحرم؟) طويلا بالرئاسه: في انتظار القادم المجهول الذي سيأتي بالديموقراطيه والدستور بينما الحقيقه ان الديموقراطيه كنظام وكثقافه وكنظريه سياسيه واجتماعيه مازالت غائبه ولا شئ يفرض علي القادم المجهول ارسائها: فكما شرحت: الديموقراطيه ليست انتخابات او دستور (فكلنا يعرف ماذا كان يحدث للانتخابات والدساتير السابقه)

والسؤال هنا: اذا كان في النيه فعلا ارساء ديموقراطيه جاده حقيقيه فلماذا لا نبدأ الان؟ لماذا يجب ان ننتظر البرلمان والرئيس القادم؟ ولماذا يأبي البعض دور البطوله وشرف السبق التاريخي العظيم فيسلم راية الديموقراطيه لرئيس وبرلمان قادم يعلم الله كيف سيكون؟! o-0

وهكذا تأخذ الثوره المضاده –شئنا او ابينا- بقصد او بدون قصد- طريقها الي النضج في هدوء ثم متي ظهرت فانه لا يشعر بها الانسان في خضم انشغاله بتفاصيل معاركه اليوميه وبطولاته التافهه وابطاله المزيفين فيتفنن الانسان في تبريرها وتفسيرها فيما تخفت مبادئ الثوره واهدافها الاصيله (تغيير النظام؟ الديموقراطيه؟ السلام العالمي؟) فتذهب في طريقها في سكون وتنزوي دون ان يحفل بها –او يعمل من اجلها- احد:

وهذا النوع الخبيث من الثورات المضاده –ان كان مقصودا- هو اخطر انواعها ولا يجيده سوي مجموعه من "البهلوانات" المتمرسين علي الفساد والاستبداد والرذيله: وهؤلاء ازعم انهم مازالوا موجودين وطلقاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق