الخميس، 26 يناير 2012

اضبط كل من يحاول "التهرب من الحساب" او من يعينه علي ذلك (لانه ينوي ان يفعل مثله؟) عندما..

اضبط  كل من  يحاول "التهرب من الحساب" او من يعينه علي ذلك (لانه ينوي ان يفعل مثله؟) عندما...

  1. يرفع حالة الطوارئ (عدا ما يخص البلطجيه الثوار؟) ويفرج عن المساجين السياسيين (عدا الغالبيه العظمي منهم) "للاحتفال" بالذكري السنويه للثوره: كما لو ان حالة الطوارئ والمحاكمات العسكريه كانت من صنع شخص اخر غيره! او كما لو ان انتهاكات حقوق الانسان بعد الثوره-وهي الاسوء طبعا وبشهادة الجميع- لها علاقه بحالة الطوارئ: وجدير بالذكر ان الثوره قامت لتحررنا من حالة الطوارئ وان دور الجيش فيها-وكما قيل-حمايتها: والحق ان الانتهاكات-في الاشهر الثلاثه الاخيره بالتحديد- من ضرب وسحل واهانه وفقأ اعين ودهس وتمثيل بجثث الشهداء: حدثت كلها كنتيجة مباشره لمطالبة الثوره برحيل المجلس العسكري عن السلطه وترك العمليه السياسه الناشئه لاهلها من المدنيين: بما جعل السؤال الاكثر الحاحا اليوم هو: ومن يحمينا من الجيش؟ وهو تساؤل مشروع في رأيي وفي موعده وبعد انتظار ونفاذ صبر وتضحيات من جانب وتجاهل وتصامم وتعامي واصرار علي فرض "شرعية الامر الواقع" والتفرد بالرأي والسلطه علي الجانب الاخر (فهذا المجلس تعهد بتسليم السلطه لحكومه مدنيه في غضون ستة اشهر تبدأ بفبراير الماضي وهو مالم يتحقق علي الرغم من الفشل البائن الذي اظهره-وحكوماته جميعا بلا استثناء- في ادارته للعمليه الانتقاليه)

  1. يعرض مساعدة علي الثوار كما لو انه قد اكتشف فجأه انهم علي باب الله: وأن كل اتهامات العماله والتمويل في الفتره الماضيه كانت بلا اساس (نكته مثلا من المفترض ان نضحك عليها؟): ورغم ذلك يبقي سؤال: كيف سيفعل ذلك؟ وهل للامر علاقه بميزانية الدوله؟ واذا كانت الاجابه هي نعم: هل سيسمح للثوار-وبعد اعانته لهم- ان "يحاسبوه" بل ويحاكموه هو شخصيا عن سياساته التي طالما تظاهروا ضدها: سواء بالنسبه لوزارته او الوزارات الاخري؟

  1. يتحدث–بلا كلل-عن الاقتصاد ودور الشعب علي طريق العمل والانتاج وتحقيق الاستقرار والمستقبل الذي ننتظره الخ ومع ذلك ينتابك احساس قوي بان عليك ان تفعل كل ما في وسعك لحل مشاكلك بنفسك بصرف النظر عما تفعله الحكومه: وفي وجود حاله متصاعده من الازمات علي جميع المستويات (اظنها متعمده): ورأيي ان "استقرار" يمضي علي هذا النحو لن يتجاوز الاستمرار علي قيد الحياه ان لم يكن اسوء: اذ بدون التحدث عن قضايا جوهريه مثل المركزيه والبيروقراطيه والفساد والانفاق الحكومي والبنود السوداء سريه وعلنيه (والمقصود بالفساد هنا فساد ما قبل وما بعد الثوره وما فعلته الحكومه ومجلسها العسكري لوقفه): ودون ان نتحدث عن اليات عداله انتقاليه لمحاكمة المجرمين واستعادة الاموال المنهوبه (داخليا وخارجيا) واصلاح اقتصادي ومالي حقيقي يراعي فيه مبدأ المساواه في الفرص والعداله الاجتماعيه ليكون جزء من تنميه شامله علي مستوي الفرد والمجتمع: فدون ان نتحدث عن خلق فرص عمل جديده وتعليم وصحه جيدين ووسائل لتحفيز الانتاج واليه عادله للاجور وتدريب متواصل للايدي العامله–والاداره- بالتوازي مع تحديث- وتطوير-متواصل لبيئه العمل بما يعين العامل او الموظف علي نبذ الفساد والروتين ومضاعفة الانتاج (وهذا يتطلب بدوره اعادة هيكلة المؤسسات واعادة توزيع الادوار والسلطات والمخصصات الماليه وفقا لشروط الكفاءه والجداره والجوده حسب استراتيجيه عامه واضحه وخطط وجداول زمنيه): وبدون دور حكومي جاد لدعم المشروعات الصغيره والمتوسطه ومنع الاحتكارات ومراقبة الاسواق (اسعار وجودة واولويات انتاج واستهلاك): وبدون حواافز لاجتذاب الاستثمارات ورؤوس الاموال في صورة مشروعات بنيه اساسيه (خصوصا فيما يتعلق بالطاقه والزراعه والري والصرف والمواصلات والاتصالات الخ) وارساء منافسه حره عادله (وباقل قدر من التشريعات) تحث من خلالها الحكومه المستثمرين علي القيام بدور اجتماعي وخيري لصالح المجتمع الذي يتكسبون منه: ودون ان نتحدث عن دور رقابي نشيط وفعال لسائر اجهزة الدوله الرقابيه ودور اساسي حر-علي الجانب الاخر- للنقابات: سنبقي دوما في الحلقه المفرغه: وسنبقي دوما نجمع المال في اتجاه واحد من البسطاء الفقراء لصالح الوجهاء: انهم نفس البسطاء الذين خدعوا قديما باشياء مثل سداد ديون مصر وغيرها باسم الوطنيه لمجرد انهم كانوا لا يريدون ان يصدقوا ان رؤسائهم الافاضل ما هم الا مجموعه من اللصوص والافاقين: وبمناسبة العداله الانتقاليه والمحاكمات وعلي سبيل المثال كان لدينا –قبل الثوره- حكومات تتباهي بان احد اهم انجازاتها هو في الواقع تحت الارض: في اشاره الي ما اقامته الحكومه من مشاريع صرف صحي في العاصمه وقالوا انذاك انهم انفقوا عليه مليارات الدولارات: انابيب ومضخات وانفاق وبالوعات بلا عدد كلها موجوده ولكنك لا تراها لانها غير منظوره للمواطن العادي البسيط اذ انها–وكما قالوا- تحت الارض (بالضبط كما كانوا يقولون ان مظاهر الاصلاح الاقتصادي والمالي تستغرق سنوات حتي تتكشف وتصل الي جيوب المواطن العادي): ومع ذلك كان هناك من يزيل اغطية البالوعات وينظر ويفتش عله يجد الاشياء التي تحدثوا عنها (والمثل يقول من جد وجد) ثم يتساءل بعد ذلك اذا كان ما وجده مطابقا للمواصفات: واذا كان مطابق للمواصفات فهل هو بنفس السعر المكتوب في المناقصات؟ ثم يتقدم الي القضاء-او البرلمان- بالشكوي وعند هذا الحد يتوقف طبعا فالقضاء–او البرلمان- برلمان الرقابه الذاتيه-كما كان يقال-مسئول عن الباقي: اليوم يحاكم رئيس الوزراء السابق ووزير ماليته وداخليته علي "نهيبة" نمر السيارات تلك التي يراها كل ذي عينين علي مؤخرة سيارته ويحصلون علي احكام: ومع ذلك لا يجدون من يحاكمهم عن سائر "المشروعات" (ناهيك طبعا عن جرائم الاهمال المفزع في اداء الواجب والذي دام عقودا وطال فيما طال التعليم والصحه والبيئه والثقافه الخ وتهم الاهمال - في رأيي- ليست اقل من تهم خراب الذمه الماليه اذ غالبا ما يكون السؤال: وهل كان يمكن للمسئول ان يحصل علي "سبوبته" من أي "بيزنيس" دون استغلال نفوذ او منصب سياسي؟)

  1. يطلب منك ان ترضي بانتخابات رئاسه في وجود مرشحين ممن لجأ اليهم الرئيس المخلوع وقت قيام الثوره لمساعدته في القضاء عليها (عصابة الاشقياء الثلاثه؟): كما لو ان قانون العزل السياسي كان مجرد مجاراه لصرعه من صرعات الموضه تقادمت بمرور الزمان او قطرات عطر يدسها "سيدنا" في قبضة يدك ولك ان تتحمل مسئولية استبقاء الرائحه (كما تحملتها؟): وقد يجلو لك الامر بشكل اكبر اذا ما كنا نتحدث عن حكومة انقاذ من اعضاء الحزب الوطني المنحل نفسه (انقاذ من؟ خروج امن؟ هروب الي الامام؟) وهي انتخابات ستجري كما يوحي مسلسل الاحداث في ظل عدم وجود ضمانات وفي وجود قوانين-ودستور-الرئيس المخلوع نفسها كما هي تقريبا بلا تعديل وفي ظل حالة طوارئ وتعبئه مكثفه ضد الثوره والثوار والاعلام الحر علي جميع المستويات (الي حد يخرج علينا فيه من بدعو الي فرض سيادة حكوميه علي الاعلام المستقل (كما الاعلام الرسمي؟) او "يفتي" بان الاضراب والعصيان المدني لاسقاط حكم العسكر الظالم ونيل القصاص العادل السريع لارواح الشهداء الابرار سواء في موقعة الجمل او غيرها والي "مؤامرة" بورسعيد (والتي شهدت تقصيرا امنيا متعمدا ولا تخطؤه عين ولا يلام عليه اهلنا الشرفاء الكرام اصحاب التاريخ البطولي في بورسعيد): غير شرعي او مخالف للدين او غير مصري او خيانه: ما يذكرنا تلقائيا بنظرية الخروج علي الحاكم! والغريب اننا مازلنا نسمع منهم نفس مصطلحات الاستقرار وعجلة الانتاج الخ تتكرر وبلا خجل ولا اظنهم يدركون ابعاد ما يتحدثون عنه للاسف الشديد فالسياسه الاقتصاديه الحاليه في ظل حالة الغموض وضعف مؤهلات الحكومه وعدم قدرتها –او عدم رغبتها- في اصلاح نفسها ناهيك عن مواجهة مشكلات المجتمع المتراكمه ووضع حلول عاجله وعادله لها هي في رأيي سبب اضافي لاثارة غضب الشعب! فالاقتصاد لن يتحقق له صلاح الا من خلال اصلاح خطط واضحه لها برامج زمنيه تطهر المؤسسات وتعيد هيكلتها وتستعيد الاموال المنهوبه:  والانسان الشهم الجاد الذي يرغب في تحقيق نتائج عظيمه وسريعه وحاسمه لقضايا كبيره (خصوصا فيما يتعلق بقضايا الحقوق والحريات) لا يطمئن الي وعود عشوائيه مضلله او دعوات انهزاميه او مسكنات او سياسة "القطره قطره" طرف اناس اظنهم غير جديرين بالثقه (والا لفعلوا لوطنهم من البدايه -وفي مثل تلك الظروف الصعبه- ما يقتضي عليهم فعله بدافع شخصي نابع منهم بلا ضغط او تلكؤ او تأجيل): وفي وجود برلمان هذا شأنه (برلمان مدرسة المشاغبين؟) يسمي نفسه برلمان الثوره بينما هو مشغول بمناقشة قانون ل "تنظيم" التظاهرات والاعتصامات ومحاسبة اعضائه قبل محاسبة المسئولين عن الفساد والانتهاكات (وفي ظل استمرار الفساد والانتهاكات): برلمان يتولي جانب منه الدفاع عن حكومه مذنبه بالادله وشهادة الشواهد والشهود -نيابة عنها- ضد جانب اخر منه! بالضبط كما كان يفعل اعضاء الحزب الوطني المنحل (ومع ذلك فعذر اعضاء الحزب الوطني المنحل انهم كانوا يدافعون عن حكومتهم!): وفي وجود قضاء ينادي ب "التطهر الذاتي" والاستقلال والفصل بين السلطات الخ في حين لا يناقش ما يجب عليه ان يفعله ليحقق استقلال واجب له عن السلطه التنفيذيه (وبالمناسبة: ما معني ان يكون التطهر ذاتيا او سريا؟ وكيف يتأكد للشعب ان التطهر قد تم فعلا اذا ما ظل سريا؟ وهل من تشابه بين "التطهر الذاتي" و"الرقابه الذاتيه" اختراع رئيس مجلس الشعب السابق المسجون حاليا؟): وفي غياب رقابه دوليه ومحليه مستقله للانتخابات (بعد الهجمه الشعواء التي شنتها الحكومه علي اهم منظمات المجتمع المدني المحليه والدوليه العامله داخل البلاد ثم تصعيد غير مبرر مع الولايات المتحده والغرب: ربما لقطع الطريق علي كل من تراوده نفسه المطالبه بمراقبة دوليه ومحليه مستقله للانتخابات؟ ربما هي محاوله جديده للظهور في دور البطل المدافع عن سيادة-ومصالح-البلاد واستقلال القضاء الخ علي طريق اكتساب شعبيه (ثم ازالة اثار الخصومه فيما بعد (بعد الانتخابات؟) كما حدث في حوادث اخري مشابهه؟) والحق انني اشعر بمراره شديده كلما تكررت تلك الحيل الصبيانيه غير المسئوله واشعر بمراره اكبر كلما انطلت علي البعض: وعلي اية حال هي حيل لا تتناسب ابدا مع ثقافة العصر ولا تعكس الا سيكلوجية وايدولوجيا رجعيه هي نفسها سيكلوجية وايدولوجيا الرئيس المخلوع : الفكر الارتزاقي الانتهازي الارتجالي الابتزازي التامري: نفس سياسة "الاسرائيلوفوبيا": من اجل ذلك اعتقد انه من المهم جدا ايقاف هؤلاء الهواه العابثين المقامرين فورا قبل ان يضروا بالمزيد من رصيد مصر من المصداقيه والعلاقات الدوليه وفي هذا الوقت: ولا ادافع عن المعونات والمنح فاظن ان الموضوع لا علاقة له -ومنذ البدايه- بالمعونات والمنح (ولا اعتقد ان المواطن العادي في حاجه الي معونات ومنح لم تغير حياته الي الافضل ولعقود): ولكن علاقات مصر بالولايات المتحده والغرب الديموقراطي الحر هي علاقه هامه للغايه واستراتيجيه وحيويه ومركزيه وتاريخيه حتي لو لم نعد في حاجه فعليه الي معونات ومنح (وطبيعي ان الدول المانحه ليست مسئوله عن طرق انفاقها (وان كان من حقها مراقبة ذلك) وطبيعي ايضا ان الولايات المتحده-كأي دوله- لم تكن سياساتها مثاليه بالكامل علي مستوي تاريخها) والمساس بتلك العلاقات او افشالها ستكون نتيجتة فشل جديد في ملف السياسه الخارجيه يضاف الي الفشل المزمن في غير ذلك من الملفات (كملفات الزراعه مثلا؟ والصحه؟ والبيئه؟ والطاقه؟ والوقود؟ والري؟ والتعليم؟ والامن؟ والاقتصاد؟ والرياضه؟): واريد ان اوضح ان العلاقات السياسيه بين الدول-كالعلاقات بين البشر الافراد- لا تقوم فقط علي مصالح اقتصاديه براجماتيه بحته- كما قال القائل-وانما هي علاقات بين مجتمعات لها عقول ومشاعر وميل الي صنع الصداقات والاحتفاظ بها بحيث لا يحق لحكومه (انتقاليه) ايا كانت ان تتخذ قرارات استراتيجيه بخصوص تلك العلاقات بمعزل عن الشعب: فالسياسه تختلف حتما عن المشروع الاستثماري كما ان الدول تختلف عن رؤوس الاموال خصوصا تلك الدول التي تتفق فيما بينها علي مبادئ مشتركه (الديموقراطيه؟): ورأيي ان الحكومات التي تصر علي علاقات دوليه قائمه علي مصالح ماديه بحته هي حكومات بلا مبادئ سياسيه او فكريه: وبلا مؤهلات اتصال ودبلوماسيه جاده: او حكومات فاسده تحاول اخفاء فسادها؟

  1. تتملكك بغير ترتيب-ايا كانت قدرتك علي استقبال المفاجات- وكما لو كانت عمليه لا شعوريه-مقارنة عاجله بين سياسات الفاشلين المستهترين الواثبين علي ادارة البلاد حاليا وسياسات سفاح سوريا المخبول وقرينه القذافي واعوانهما من اقطاب الدكتاتوريه الموتوره وثلة المنافقين: هل هي مصادفه ان جميع طغاة العالم وخدامهم لا يجدون في هذه الحكومة ومجلسها العسكري عدوا لهم ؟ ولماذا لم نجد ابدا لدي هؤلاء اي عزم من اجل تحرك حقيقي وفعال لنجدة اخواننا من ثوار الشعوب الثائره بالمنطقه؟ علي الرغم من ان مبادئ واهداف ثوراتهم هي نفس مبادئ واهداف الثوره المصريه الملهمه (تلك التي لم يتحقق منها علي المستوي المحلي–والي اليوم-اي شئ تقريبا): وعلي الرغم من ان الوحشيه وسفك الدماء مازالت تتم-وتتنامي- بصوره يوميه وممنهجه: بل -وعلي النقيض من ذلك- نجد لديهم تحيزا الي جانب الفساد والاستبداد فنسمع مثلا ان وزير الدفاع الحالي كان يأوي-ومازال- فلولا للقذافي ومن قبل كان يقدم له النصائح الغاليه اشبه بدروس مجانيه فيما يخص كيفية اخماد الثوره في بلاده! بل ان جهوده تفرعت وتشعبت علي مستوي الاقليم فوصلت نصائحه الي اليمن والبحرين (وسوريا؟): فيما يكرس-محليا- الي حاله من حالات الرده الي القديم مصرا علي بعث مشاعر حنين-تصل احيانا الي حد التمجيد- الي ارث الطغيان بكل ما فيه من هزائم وخصومات ونهب وظلم وقهر وساديه وطيش انفعالي وتعالي ونفاق واهمال وخسه وممارسات ابتزاز! حاشدا -في نفس الوقت- كل جهوده ضد كل ما هو ديموقراطي او مدافع عن حقوق الانسان: وانا لا افهم كيف لانسان ان يدعي انه ديموقراطي وينتقد الاستبداد والفساد بلا رحمه مقارنا بين النظم والدساتير الديموقراطيه بانواعها عله يجد من بينها ما يناسبه بينما هو في واقع الامر منفصل كليا-سيكلوجيا وايدولوجيا وسلوكيا- عن قوي الثوره الناشئه وفي خصومه مع المنظمات والدول ذات الانتماء الديموقراطي: انه لامر يثير العجب حقا والسخريه: والسؤال لمن ينساقون مسحورين الي القديم: ما هو الفارق بين "فرعون" اسقطه شعبه واخر سابق عليه اسقطه نائبه او عدوه او ثوره او حادث اغتيال او اسقطه الخالق؟ ما الفارق بين مؤسس الاستبداد والفساد بشحمه ولحمه والنسخه الاصليه للفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعسكري الخ وبين احد تلامذته وصوره شاحبه منه (الرئيس المخلوع)؟ ولمن يعيب علي المرشحين الحاليين للرئاسه شح امكاناتهم ويستغرب كيف انهم-رغم ذلك-يتهافتون علي المنصب "الرفيع" اسأله: اليست هذه هي الديموقراطيه؟ اليس هذا هو ارث الدكتاتوريه؟ ومع ذلك ما الفارق بينهم وبين  "الضباط الاحرار" (او الرئيس المخلوع) قبل ان يصبحوا-بين ليلة وضحاها- من ساكني القصور؟ لو انهم تحدثوا بذلك قبل ليلة واحده من "حركتهم" في يوليو 1952 لاستخف الناس بهم ولاتهموهم بالجنون! (واحب ان اذكر البعض هنا انه سبق لهم وان وعدوا الشعب مع فجر حكمهم-الي جوار الديموقراطيه- بان يحولوا قصور الملكيه الي متاحف دون ان يسكنوها حتي لا يشغلهم ذلك عن العمل والبناء ثم لم يفعلوا!): بل ما الفارق بين اي من المرشحين المحتملين للرئاسه-المعروف منهم والمجهول- وبين اعضاء الحكومة الحاليه ومجلسها العسكري (ومرشحيه)؟ اين كانوا قبل عام؟ وما هي امكاناتهم –وخبراتهم- السياسيه والفكريه؟ حسنا: لقد رأينا باعيننا دون ان يخبرنا احد: وليسمح لي المتابع الكريم ان انفجر ضاحكا وانا اسمع اليوم مقولات مثل ان وزير الدفاع الحالي ورئيس اركانه كان لهما رأي معارض بشأن التوريث قبل الثوره واتساءل: لماذا لم ينشرا ابدا هذا الرأي علي الملء؟ ثم ان الجميع تقريبا كانوا يعارضون التوريث-سرا او علنا- فلم يكن هذا قاصرا علي احد بعينه (باعتبار ان التوريث تصرف غير دستوري يصيب مبدأ الجمهوريه في مقتل وهو ما نجح علي الاقل في وضع الرئيس المخلوع في موقف انكار مستمر ودفاع عن النفس): ومع ذلك ظل هذا النوع من "المعارضه" في حدود الولاء المطلق للرئيس المخلوع ومن خلال تأييد كامل لان يتولي هو –وليس ابنه-الرئاسة لفتره جديده (بعد رحلة العلاج طبعا الي المانيا) بل ان اجواء التململ والقرف والقلق التي سادت قبل الثوره-ولاعوام- وتسببت في موجات من التعذيب والاضطهاد والقتل للعديد من المواطنين تمت دونما اي تدخل او اعتراض من جانب وزير الدفاع ورئيس اركانه: واكبر دليل عن رضاهما عنها هو ان هذه الممارسات تكررت-بل ازدادت حدتها-كما وكيفا- اثناء الثوره وبعدها! ومع ذلك اذا كنت مشغول اكثر بملف السياسه الخارجيه (وهو الملف الباقي علي كل حال والذي ازعم انه يتعرض اليوم الي التدمير والاستخدام المخزي لصالح قضايا داخليه) قد تبتلعك رغبه في معرفة كيف يتصور هؤلاء دور مصر الاقليمي ووفقا لاي شروط؟ بصراحه اكبر: كيف تنتظر هذه الحكومه ان يفسح لها الجيران-او غيرهم- دورا اقليميا-بل وتشعر بالغيره من ادوار اخرين- دون القيام بما يقتضيه واجب الجيره؟ ووفقا لنظرية المصالح نفسها التي يتشدقون بها (دع عنك طبعا مناظرات القوميه والامن القومي): هل ينتظرون الثمن ليهبوا الي نصرة اخواننا في سوريا وحماية ارواحهم واعراضهم واموالهم وايقاف هذا المختل عقليا الذي يطاردهم في كل مكان؟ "سبوبه" جديده ؟ (وحين اتحدث عن "سبوبه جديده" فانا اشير طبعا الي "السبوبه القديمه" التي يعلمها الجميع تلك التي ليست بغريبه طبعا عن اسماع وزير الدفاع الحالي اذ انه هو نفسه الذي ارسله الرئيس المخلوع لتولي الجانب "التقني" فيها مع بداية تسعينات القرن الماضي): ولطالما امنت-ودربت نفسي علي ان اؤمن- ان من يريد اكتشاف الابعاد المظلمه لحقبة معينه من الزمان واستنباط العبر منها عليه الا يتخلي ابدا عن بصيرته النقديه المتمثله في عقله وضميره: اي من خلال تفنيد اقوال وافعال الانسان ايا كان موقعه من السياسه والتاريخ تفنيدا شاملا وموضوعيا واخلاقيا من اجل ايجاد قناة اتصال بين الاقوال والافعال ثم بينها وبين التاريخ: فالانسان الذي تتغلب عليه عواطفه وغرائزه الشخصيه العاجله في اطار دفاعه المستميت عن انتماءات وذكريات معينه (ايا كانت القيمة الحقيقيه لتلك الانتماءات والذكريات) غالبا ما يخرج عن نطاق ما هو معقول او ما هو مقبول انسانيا ومنطقيا واخلاقيا لينتهي به الامر الي التضحيه بالحقائق لحساب العواطف والغرائز فيكذب مثلا مستخدما في مجادلاته سلاح التخوين والتكفير واحكام الثقاه استخداما صارخا يقارع به الناس اينما ذهب: وهكذا يستطيع احيانا-ولو لفتره- ان يقلب الهزائم الي انتصارات والجرائم الي انجازات او ينتهي به الامر الي تعليل الفشل بالتافه من الحجج التي تقلل من فداحة الانكسارات وتضخم من صغائر الايجابيات ليجد الانسان نفسه في النهايه عاجزا عن ان يتقدم خطوه واحده الي الامام (بل غالبا ما يتراجع وينزوي منفصلا عن العالم وحركة الحياه –اي عن المعارك الحقيقيه التي يتعين عليه ان يقاتل من اجلها- متواريا بين اوثان الماضي لا يتخلي عنها كما لو كان الاحتفاظ بها امر لا يمكن تجنبه!): انه انسان سقط في عبودية القوالب: انه انسان ليست لديه تداعيات عديده فيما يخص الحكم علي الصائب من الامور: ونصيحتي: لا تتردي في مبارزة فكريه مع هؤلاء لان هدفهم الحقيقي ارهاقك وارباكك في جدل ثانوي فارغ ومن ثم هز ثقتك في نفسك: ان اي منهم لن يحاول ابدا استخدام المنطق والمحاجاه في الدفاع عن رأيه بل سيوجه دائما اليك-كما شرحت- سلاح التخوين والتكفير واحكام الثقاه كأنما سيسحقك به اشبه ببطل من ابطال اسبرطه القديمه متحينا اية فرصه كيما يتصايح في النهايه بخيلاء بأنه قد كسب المعركه (بينما هو غارق الي قمة رأسه في طوفان من السطحيه والجهل والعجز عن الحكم والتفكير واحيانا الخيانه والكفر والفساد!): ومن لا يريد الخروج من شرنقة قوالبه (قالب الضحيه بالتحديد) ويتعلم من دروس الماضي سيجد نفسه حتما في مواجهة مع المستقبل-كما شرحت- وبلا نهايه: اذ سرعان ما ستتكاثر عليه الحقائق التي طالما تجاهلها وكفر بها (رغم كل ما كان لها من قوه وحسن منطق) لتحاصره –باصحابها- وتنتصر عليه: وانا ممن يؤمنون ان الانسان اسير ما يحكم به علي نفسه من احكام ومن شاء له حظه العاثر ان يقع في اسر تجارب -واشخاص- معينه فعليه ان يتحمل جرائر اختياراته فلا يستغرب-ولا يغضب- اذا ما انتهي مصيره الي مصير مشابه لمصير اصحاب تلك التجارب: لذا تناسبني جدا نصيحة "اوزبورن" الخالده: انظر خلفك في غضب: واجدها اول خطوه علي طريق التحرر (هذا اذا ما كان علي الانسان ان ينظر خلفه مطلقا!): واستطيع ان اقول وانا مرتاح الضمير-خلافا للعديد من الاراء المنساقه في ضروب الايدولوجيا ونظرية المؤامره- انه من مصلحة الغرب واسرائيل (وتركيا) انجاح عملية الانتقال الديموقراطي في دول ثورة الياسمين (تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين) وغيرها: والسبب الذي يدفعني الي هذا الاعتقاد هو ان ذلك النجاح-اذا ما حدث-من شأنه ان يضيف تلقائيا الي جبهة المعسكر الديموقراطي ويتيح نوع من التفاهم والاقتراب بين الحضارات وبالتالي مناطق اتفاق: فمن خلال الديموقراطيه-تكتسب الدول العلم والتنوع والتواضع والصدق والمرونه والتواصل والصداقات بما يذيب الخلافات ويقرب المسافات ويساعد علي الخروج بحلول: واظن انه لن يكون هناك مشكله انذاك-بعد مرحلة التحول الديموقراطي- في ظهور حلول حقيقيه لمختلف القضايا بما في ذلك القضيه الفلسطينيه (وما من احد يدعو الي ان نغسل ايدينا او نكف عن مساعدة اخواننا الفلسطينيين في حل قضاياهم ولكن عليهم -في نفس الوقت ان يسمحوا لنا–ولانفسهم- بتحول ديموقراطي ناجح وحقيقي وسريع): وتلك هي الفرصه التي اضاعها السادات في رأيي ومن بعده الرئيس المخلوع: انتقال حقيقي الي معسكر العلم والحريه بالتوازي مع تطوير السلام: ولكن وحتي يحدث ذلك اعتقد انه من البديهي-والمهم جدا- ان ننتصر اولا في معركتنا مع الدكتاتوريه وثورتها المضاده: ان  قوي الشر بالداخل ليس من مصالحها ابدا ان يصل الامر الي حد التغيير الحقيقي: ان ذلك يحطم ويفتت ويقسم ويسقط دولتهم القائمه علي العبوديه وازدواجية المال والسلطه (والفساد؟): لذا فهذه القوي غالبا ما تحاول ان تشغلنا -بين الحين والاخر- بازمات ومعارك جانبيه وعداوات من ارث الماضي لتلهينا عن اهدافنا فتبقي بذلك حيه ومسموعه وطافيه علي سطح الاحداث ظنا منها ان ذلك سيجعلها تجتاز اختبار التقادم واللاجدوي: انهم اشبه بغانيه عجوز انطفأ جمالها وشحت رغبة الشباب فيها بل واكتشف الجميع حقيقة كل عمليات التجميل التي اجرتها ومع ذلك تريد ان تبقي "معبودة الجماهير" او جزء من واقع الاجيال الجديده: وسلاحها لتحقيق ذلك هو ان تصنع لنفسها امتداد-وجسور- واحيانا اسوار-مع هذا الواقع من خلال التخويف المستمر واثارة قلق مفتعل بخصوص الهويه والتحقير-في نفس الوقت- من شأن الثوره وتشويه الثوار وتحطيم ارادتهم وتجريدهم من مبادئهم وثقتهم في انفسهم فتتبني-بلا نهايه-ان النداء الثوري الشاب المنادي بالديموقراطيه انما هو شئ ملفق تماما او اخرق او غريب او تافه او مستورد او عميل او كافر او معطل للاقتصاد او غير قابل للتطبيق او بعيد عن واقع الطبقه المجدوده الطالع المجبوله علي العوز والشقاء (والتي لا تعمل هي طبعا علي تحريرها): فلا يجب ان ننسي ان الدكتاتوريه في منطقتنا ليست حاله فرديه بل هي حاله جماعيه متوطنه تستند الي تراث حضاري عريض تنسبه الي نفسها: لذا فمعركتنا الحقيقيه معها: وليس مع من هم اقرب الي مبادئنا: وان كانوا يوما اعداء فكذلك كانتا فرنسا وبريطانيا ظلا عدوين لدودين لمئات السنين الي ان جمع بينهما العلم والحريه

  1. تضطر الي ان تقول لابنك: ذاكر جيدا يا حبيبي كيلا تصبح مثل "الوزير الكذاب" فلان او "الوزير الفاسد محدود الذكاء" علان ممن نستمع يوميا الي مسكناته العاطفيه المثيره للشفقه او تهديداته ونحن نعرف وهو يعرف انها مسكنات وتهديدات: كأن يهدد احدهم مثلا علي الملء بان مجرد الاقتراب من المنشات العامه عقوبته الاعدام الفوري رميا بالرصاص موحيا لك في نفس الوقت انك بانضمامك الي الاغلبيه الصامته (خصوصا بعد ان وجدوا من يتحدث نيابة عنهم) ستكون اكثر امانا: كما لو اننا قد عدنا لتونا الي العصور الوسطي حيث كان رجل الشرطه مكلف احيانا بأن يكون القاضي والجلاد في نفس الوقت: يحدد المجرم او المخرب (او المتظاهر) فورا ثم يحكم عليه حكما نافذا وينفذ الحكم: (ولكن هل لنا ان نتذكر مره اخري ان كل وزير من هؤلاء -كمن عينهم-مازال خصما وليس حكما منتخبا: وانهم جميعا دخلوا مكاتبهم علي جثث الشهداء: واكثر من ذلك لم تتم بعد محاسبة سابقيهم اولئك الذين رحلوا ايضا علي جثث الشهداء): ورأيي ان الوزير الذي يخرج علينا بالمسكنات والتهديدات هو وزير لا يعمل وليس لديه خطط ولا يتعدي الهدف من وجوده التواجد الشكلي الاستعراضي علي رأس وزاره من اجل حماية الفاسدين من الموظفين واصحاب المصالح: ومن ينشغل بالاصلاح ينعكس ذلك علي تصريحاته (وهي نفس ذهنية "الفاسد محدود الذكاء" الذي ذهب الي سوريا "لاستطلاع" ما يحدث هناك فاذا به يتحدث عن "تحسن" نسبي بالاوضاع عما سبق! والمفارقه هي: كيف بني مقارنته تلك علي ما سبق اذا كانت مهمته هي اكتشاف ومراقبة ما يحدث اليوم ولاول مره؟ وما هو معيار التحسن في نظره: تقلص عدد الشهداء والمصابين من المواطنين العزل الذين يتم "قنصهم" يوميا في الشارع بلا قانون او محاكمات؟!)

  1. تشعر لاول وهله بحاله من الذهول يتبعها حالة غموض فيما يتعلق بمحاكمات الرئيس المخلوع ورفاقه ومرافعات الدفاع عنهم وادعائ الرئيس المخلوع مسئولية المجلس العسكري بالكامل عن ادارة البلاد بعد قيام الثوره مباشرة-وقبل تخليه عن السلطه- ناهيك عن الاسماء الذين طلب اضافتها الي القضيه: مثل وزير الدفاع ورئيس اركانه ومدير المخابرات ورئيس جهاز الشرطه العسكريه الخ (وانا شخصيا فوجئت بمرافعات الدفاع واعتبرها مهمه للغايه): ومع ذلك تصطدم بصمت مطبق واستخفاف علي الجانب الاخر يقابله اصرار الدفاع علي استدعاء تلك الاسماء والتحول الي محاكمه عسكريه: في حين ان عقوبات القضاء العسكري اشد في واقع الامر من القضاء المدني: ولهذا السبب ربما فهي مخصصه فقط -والي اليوم- للثوار المدنيين (البلطجيه؟)

  1. يتحدث بملء فمه عن اهداف الثوره وقال الله وقال الرسول ثم يتقدم-وبخلاعه شديده-الي المجلس العسكري-وليس الثوره-وليس الشعب-بايات الشكر والعرفان علي "العمليه الانتخابيه النزيهه" (بعد ان سمح له-ولي نعمته- بالدعايه "الدينيه" والتمويل مجهول المصدر المخالفين للقانون: وهو بالمناسبه نفس ولي النعمه الذي اطلق سراحه-ومن البدايه- ليخرج من السجن رأسا الي البرلمان يتلقي البدلات ويغفل اثناء الجلسات بكل تلقائيه وراحه بال) ثم يذهب "للاحتفال" بالذكري السنويه للثوره -بنفس طريقة الوعود الانتخابيه- في نفس المكان الذي استشهد فيه الثوار او اصيبوا او اهينوا (وبكرم زائد طبعا اذ يبدو ان الحساب مفتوح) قبل القصاص العادل للشهداء: والحق انه –بالنسبه لاي انسان معتاد علي قراءة المعني الحقيقي للكلمات والافعال- وهي مهمه صعبه في ظل حالة التخبط وتحريف الحقائق والمفاهيم الشاحبه-قد نكون قد استنفدنا فعلا الحديث عن الوعود بحيث لا يمكن ان اتخيل انسان عاقل يصدق المزيد منها قبل ان يري ترجمة لاي منها علي ارض الواقع في صورة ارادة فعل وعمل: الا تري ان مجرد الحديث عن الديموقراطيه اصبح اليوم اكثر صعوبه من اي وقت مضي؟ ان هذا يعني ان عملية "الانتقال الي الديموقراطيه" تحولت بالفعل الي عملية "تسليم–وتسلم-سلطه" وان فلول الثوره المضاده مازالوا في مناصبهم يعيثون فسادا اكثر قوه من اي وقت مضي: وان الثوره كتب عليها القتال وفي اكثر من اتجاه: واذا لم نقر بذلك واذا انسحبنا من معاركنا: فتركنا الحاوي يخدعنا بالعابه السحريه علي امل اننا سنتصدي له في النهايه (اي بعد ان نكتشف ان المفتاح الذهبي للصندوق السحري الذي يخبرنا انه في قبضته (تلك التي يخفيها وراء ظهره) غير موجود اطلاقا وان قبضته تنطبق علي حفنة من تراب): فان النتائج ستكون كارثيه: اذ لن يرضي الناس–علي خلاف ما يراهن البعض-بغير الديموقراطيه والقصاص بديلا: حتي اولئك الذين يتحدثون اليوم بسهوله عما يمكن ان تكون قد قدمته الثوره للناس البسطاء ( يقصدون من الناحيه الاقتصاديه) لن يرضوا بظلم -ودكتاتور- جديد: ومن ينسحب من معاركه: معارك الحقوق والحريات: فسوف يخلفه غيره: ورأيي ان البعض يهوي–وبشغف-اضاعة الوقت او عدم تقديره: وانا شخصيا تنتابني حاله من الشك المقيم بخصوص اصرار اعضاء هذا المجلس العسكري علي البقاء 6 اشهر اخري وفقا "للخطه" التي وضعوها وما هم بصدده: وسيسوؤني كثيرا اذا ما رضي جمهور الشعب بذلك (رغم اتفاق الجميع-بما في ذلك الرجعيه الجاهليه الانتهازيه المتشحه بعباءة الدين-وكما يصرحون-علي رحيلهم بل واصرارهم –كما يقولون- علي كسر "قله" عملاقه في ميدان التحرير بعد هذا الرحيل! وانا اصدقهم فيما يخص ايجاد "القله" فهناك من "القلل" الكثير اما كسرها فالمسأله فيها شك): ورأيي ان محاولات انشاء احزاب واقامة انتخابات ووضع دستور لا ينبغي ان تعطلنا عن الهدف الاسمي: وهو البدء فورا في حفر البنيه الاساسيه للنظام الجديد وبناء هيكله الديموقراطي: بالتوازي مع تطهير كامل لمؤسسات–وقوانين- الدوله في ظل الية حساب تشمل "كل" المجرمين من القتله واللصوص الذين تبنوا طوال السنوات-والاشهر-الماضيه تجاوزات الفساد وانتهاكات حقوق الانسان ومعاقبتهم–بكل شده-حسب القانون حتي يعلم الجميع-بما في ذلك الرئيس القادم- ان لا احد فوق القانون: ولا احد يملك الصفح عن هذا او ذاك حسب مصالحه او رغباته الشخصيه (وكأنه بصدد التبرع بفتات صدقاته مثلا: وليس بصدد احقاق حقوق واعادتها الي اصحابها!) ورأيي انه لن تستقيم الامور او يحدث استقرار الا في وجود مواطنه وقضاء حر ومساواه تامه امام القانون: فهذا وحده كفيل بحماية الديموقراطيه الناشئه من نزعات الفساد والاستبداد التي تجذرت في هذا البلد لالاف السنين: ولمن يظن اننا لا نستطيع ان نقوم باكثر من عمل في نفس الوقت اقول: خير ما يعيننا علي وضع دستور ديموقراطي هو ان يكون افرازا لممارسه حقيقيه علي الارض وبمشاركة الجميع وبالاستعانه بخبرات الاخرين اي ان يكون نابعا من اجواء الواقع بشحمه ومعطياته وادواته وذلك هو ما سيجبر الجميع علي احترامه

  1. يخلط الامور بصوره يشوبها الالتباس والتضليل بين ما هو شخصي وما هو عام يخص المجتمع ككل (ربما لارباك الرأي العام وتشتيته وتحويل بوصلة اهتماماته الي قضايا فرعيه او ملفقه بعيدا عن القضايا الرئيسيه: ربما لتكريس المشهد "المكارثي" السائد حاليا تحت عنوان ما يسمي "الاساءه الي القوات المسلحه" او "اسقاظ الدوله" او "تقسيم الخريطه" او "السياده الوطنيه" الخ: وان ادي الامر الي صدام مريب بين مؤسسه واخري: وانه لامر محزن حقا ان يصبح المجتمع بأسره رهينه لمثل هذه القضايا–وفي هذا التوقيت-بحيث لا يجد البعض امامه-وبعد حديث طويل عن الظروف الاقتصاديه الصعبه- الا ان يرفع راية اللا مبالاه منصرفا الي شئونه الخاصه فيزهد اهتمامه بمصير بلاده (كما لو ان ذلك متعمدا): ومحزن اكثر ان يكون البرلمان المكلف بمراقبة الحكومه ومحاسبتها اضعف من ان يتخذ اي اجراء ضدها (حتي بعد ادانتها) الي درجة اننا قد نسمع عن صفقات او تفاهمات او نجد من بين اعضائه (وهو بالمناسبه من الثوار) من يجد نفسه محاصرا من زملائه ومتهما ومضطرا الي تقديم اعتذارعن خطأ لم يرتكبه في رأيي ولا يستحق اي اعتذار وباي صيغه واضعين البرلمان كله في موقف دفاع عن النفس امام الجهه التنفيذيه! فيقبل البرلمان ان تتحول شكوي بين افراد الي ما يشبه المواجهه بينه وبين المؤسسه العسكريه المكلف بمراقبها (كغيرها من مؤسسات الحكومه) بدعوي ان "الاساءه" لم تعد موجهه الي فرد وانما الي مؤسسته بأسرها! (ولمن يتحدث عن الرموز والاعمار: المخطئ يحاسب علي خطئه ايا كان عمره او مركزه او تاريخه كما ان وظائف الدوله هي ملك الدوله وليست حكرا علي فرد: وهذا هو درس الثوره): اما ما يثير النقمة حقا فهو ان يخرج علينا من القضاء العسكري من "يهدد" بانه سوف يتخذ التدابير لتحريك الشكاوي ان لم يتخذ البرلمان الاجراءات الرادعه لعقاب النائب "المسئ" (ليستجيب البرلمان المسكين فعلا –وبعد ان خسر معركته قبل ان تبدأ-ويقرر عرض النائب (وهو مرة اخري من الثوار) علي ما يسمي "لجنة القيم"!): في الوقت الذي نجد فيه البرلمان غير قادر-كما لو ان ذلك من الاحلام- علي استدعاء وزير الدفاع لسؤاله ومحاسبته عن الانتهاكات التي قامت بها قواته-او حكوماته المتتاليه- في حق الثوار بما اساء الي سمعة الجيش المصري ولعام كامل من الثوره! ووزير الدفاع هذا بالمناسبه هو نفسه وزير دفاع الرئيس المخلوع لعقدين كاملين من الزمان (فلول؟) اي انه مكلف تلقائيا بمنح الثوره كل الذرائع والضمانات لتتأكد انه بالفعل مواليا لها: وهو ايضا صاحب بدعة عرض الثوار علي القضاء العسكري (وهم مدنيين) مستثنيا-في نفس الوقت- الرئيس المخلوع وعصابته علي الرغم من مطالبته هو شخصيا (الرئيس المخلوع) -بصفته عسكري سابق- بعرضه علي القضاء العسكري وفي ظروف ثوره قامت ضده وكان اول اهدافها اقصاؤه عن منصبه (بعد ان ابي الا التشبث بالسلطه اذ انه لم يتخلي عنها الا بعد ان اجبر علي ذلك اجبارا: بل ومازال يزعم انه رئيس!): بما يجعلنا -بوضع كل ذلك في الاعتبار- مضطرين الي البحث عن نواب برلمان لا يصفقون ولا يغفلون اثناء الجلسات ولا يكذبون ولا يلتقطون الصور التذكاريه مع الوزراء (فيما يحاولون سحب الثقه منهم!) ولا يهتفون ضد الثوار ويتهمونهم بالعماله (كنائب "الاتحاد الاشتراكي" المضطرب وغيره من خدام الايدولوجيا): فلا نجد سوي اقليه نادره! وانا علي المستوي الشخصي لا اتصور ان ينتفض القضاء العسكري بنفس الحميه التي ينتفض بها لمحاكمة نخبة الثوار والسياسيين والمفكرين والمثقفين والاعلاميين المستقلين لدفع "الاساءه" عن ابي مثلا اذا ما اساء احد اليه وايا كانت درجة الاساءه: او ان يعتبرها اهانه موجهه الي الجيش كله (وابي بالمناسبه جنرال قديم خاض الجانب الاعظم من معارك مصر بداية بعام 1956): وحري بي ان اذكر البعض هنا خصوصا اولئك الذين ينفرون من شرعية الميدان او يتحدثون عن خيارات اخري للمجلس العسكري قبل الثوره ودوره فيها: ان حدث قيام ثوره في حد ذاته وما ترتب عليه من شهداء ومصابين وخسائر ماديه ومعنويه-واعتراف العالم به- له اعتباراته واستحقاقاته وشرعيته التي تتفوق علي كل ما عداها بما في ذلك شرعية البرلمان وما يسمي "الاعلان الدستوري": وشرعية الثوره تقتضي-فيما تقتضي- اجراءات استثنائيه: فلولا الثوره-والابطال الذين بادروا بها-لما تحرك السواد الاعظم من الشعب ولما ظهر البرلمان الحالي ولاستمر البرلمان القديم-برلمان "الرقابه الذاتيه"-ووزير الدفاع ومجلسه في مواقعهم في خدمة الرئيس المخلوع-وابنه-وزوجته-الي اليوم: لذا فان اقل تكريم للثوره والشهداء هو محاكمة المجرمين محاكمات جاده واستثنائيه (ثوريه او عسكريه) او عرضهم علي الجنائيه الدوليه ووضع الثوار في مركز صنع القرار حتي يشرفوا بانفسهم علي عملية التغيير وتحقيق اهداف الثوره (والا كان طبيعيا ان تستمر الثوره الي ان يتحقق ذلك): وبذلك فتكريم الشهداء ورفع الثوار الي مركز صنع القرار هو واجب شرعي ودستوري ووطني وديني واخلاقي: ولعل هذا هو السبب في اننا لم ننل "التوفيق" اللازم الي اليوم: واقولها بكل اطمئنان: الخالق لا يوفق ابدا "حرامية" الثورات! بالضبط كما لا يوفق الفاسد المتعالي الذي ينشر الظلم والكبر والفساد: واجد انه من الضروري هنا ان اكرر ان استكمال المشوار علي هذا النحو علي طريقة "الغمه ستزول" او "الجبله راحل ولو بعد حين" (وهو الرأي الغالب حاليا للاسف الشديد ولست معه ولن اكون معه ابدا ما حييت) لن يقودنا الي الاستقرار الذي يحلم به البعض: فبلا عدل وديموقراطيه حقيقيه لن يتحقق في مصر استقرار: ولمن يظنون ان المشاكل كلها ستحل بانتخاب الرئيس ووضع الدستور: هذا تحليل غير دقيق اطلاقا ومتعجل وغير صادق فان لم يكن هناك-في المستقبل القريب- ارادة ضغط وصمود واصرار علي سؤال ومحاسبة "كل" من ارتكب تجاوزات وانتهاكات-ايا كان موقعه-وتكريم الشهداء والقصاص لهم واستعادة المسروقات و"نطهير" القوانين والمؤسسات (الي غير ذلك من اهداف الثوره) فسنبقي دائما "تائهين" في حلقات ما بين انتظار يعقبه انتظار بلا نهايه وكما هو حالنا اليوم: ولنا في الرسول الكريم قدوه اذ كان يزكي-بامر سماوي-من سبقوا الي الايمان واضطهدوا وعذبوا وواجهوا الموت مرحبين وهاجروا علي غيرهم ممن هاجروا بعد الفتح ويرفعهم درجه: وقديما قالوا: الرفيق قبل الطريق: بمعني ان اي تحرك دون اختيار جيد لرفيق الرحله او دون وضع اهداف وخطط وتحديد اتجاه ثم مرونة كافيه لمراجعة وضبط- وتغيير- الاتجاه- اذا اقتضي الامر-باعتقاد كاذب ان اية حركه في اي اتجاه-مع اي احد- اقضل من لا حركه- هو في الحقيقه انسياق خلف ضلالات: وانا استغرب الذين يهرولون الي مناصب او مصالح او مجالس كما لو ان الهدف الاصلي من الديموقراطيه هو المنصب او الشهره او الوجاهه الاجتماعيه او الارتزاق (او الحفاظ علي القديم؟) وليكن بعد ذلك ما يكون! والحمار-بالمناسبه-وعكس ما يظن البعض-وعلي الرغم من صوته العالي الفاضح القبيح - حيوان لطيف للغايه-في رأيي- وصادق اذ عادة ما يصارح الاخرين بصفاتهم فيخبر الحمار مثلا بانه حمار في وجهه وان ورطه ذلك في العديد من المازق: وانا شخصيا احترم الحمار وافضله علي كثير من البشر ولا اعتقد انه يستحق -بأي حال- ان يتحول-كما في بعض الثقافات- الي سبه او اهانه او عنوان للغباء فالحمار حيوان ذكي ومتواضع ووديع ووفي (نفس فصيلة الكلب والحصان): واكبر دليل علي ذكاء الحمار هو انه قادر علي ان يتعرف فورا الي الطريق الصحيح بمجرد الاقتراب منه فاذا ما ادرك انه يمضي في عكس الاتجاه-او في الاتجاه الخطأ- فانه يتوقف فورا فلا يتحرك حتي ينتبه صاحبه الي الخطأ ويغيره: بل ان الحمار لديه من الفراسه وقوة الملاحظه ما يجعله قادرا علي ان يتنبأ مبكرا بالعوائق قبل الخوض فيها وفي الكوارث التي يكون فيها الموقف مشتعلا لا تستطيع ان تهزم الحمار فالحمار لديه من الصبر وقدرة التحمل ما يجعله قادرا علي تفتيت ارادة اكثر الحيوانات عندا(الي حد ان احد اشهر الاحزاب في الولايات المتحده واكثرها شعبيه يتخذ من الحمار شعارا له): واستطيع في ذلك ان اعتمد علي كلمة قديمه قرأتها لاحد ربان البحار بان المعيار الاساسي لكفاءة سفينه او قاطره ليس فقط في قدرتها علي الطوف ومجابهة الامواج وانما في قدرتها علي انقاذ ارواح ركابها: من اجل ذلك كانوا في بعض الثقافات القديمه يعبدون الهه تجمع ما بين ابدان الحمير-او الخيول- وابدان السباع: والحكمة هي: كما ان الانسان في حاجة لشجاعة السبع وشراسته وخفته في الانقضاض علي فريسته وثقته في ملكاته القياديه فهو في حاجة ايضا الي ذكاء-وصبر-وحذر-ووداعة الحمار

10.                       يخرج علينا من الحكومة من يخبرنا انهم يناقشون اجراءات "للتصالح" مع القتله واللصوص نظير "جزء" من الثروات المنهوبه: كما لو ان لسان حالهم: "وافقوا من فضلكم وسوف نتولي نحن اقناع القضاء "الثوري المستقل" بالكف عن النظر في القضايا": كما لو كانوا يفاوضوننا نيابة عن القضاء او عن نزلاء طره! في الوقت الذي يتقدم فيه احد نواب "البرلمان الثوري" بمشروع قانون "للعفو" عن المجرمين السابقين دون ان يتحدث-بكلمه -عن قانون العزل السياسي (علي الرغم من وجود ثلاثة مرشحين رئاسه-علي الاقل- من اباطرة الفلول وفي انتظار المزيد!): واعتقد ان توقيت اثارة هذه الاقتراحات ومحاولة تصعيدها امر جدير بالاهتمام ويبعث علي الاعتقاد بانها محاوله لصنع سابقه او لتأمين "خروج امن" لمن مازالوا خارج السجون (في مراكز صنع قرار) من فلول الرئيس المخلوع: و"التصالح" او حتي العفو -بالمناسبه- لا يستقيم مع ثوره ولا يؤسس لدولة ولا يدفع باتجاه احترام القانون (اذا ما ظل يطبق فقط علي الفقراء الضعفاء بمنطق "البعيد عن العين بعيد عن القلب!"): والذين يتحدثون عن سابقة فاروق: فاروق لم يدمر ولم ينهب وان نهب اجداده فما نهبوه لا يقترب-وباي حال-من مبلغ التريليونات الخمسه من الدولارات والتي تطوعت السيده اشتون مشكوره بالحديث عنها (واكثر من ذلك اخبرتنا انها حثت حكومات وزير الدفاع واعوانه-اكثر من مره- علي استرجاع ما تملك الادله عليه منها بلا استجابه): كما ان زمرة فاروق حوكموا في محاكم ثوره: واخيرا: فاروق-لمن نسي-اغتيل بالسم بعد سنوات قليله من رحيله (تصرف مألوف؟): ولمن يتحدث عن عفو الرسول الكريم عن اهل مكه يوم الفتح اقول: هذا العفو جاء علي خلفية ان الرسول الكريم واصحابه اصبحوا هم صناع القرار وبذلك فالعفو هنا ليس لتعطيل القصاص وانما لوقف الاعمال الحربيه ضد جيش مناوئ استسلم بالفعل: بمعني ان هذا العفو لم يؤخر-او يؤجل- عقاب المجرمين من اصحاب الثروة والجاه بانتظار عفو الفقراء المنهوبين من اهل مكه عنهم بل ان الرسول الكريم كان يبدأ بهم: ويحدث ذلك في وجود حمله منظمه من صحافه الفاشيه الناصريه وعلي رأسها تلك الصحيفه صاحبة "الانفرادات" الخطيره المتتاليه والتي تتولي-حصريا- نشر كل ما يخص الرئيس المخلوع وعائلته وعصابته الي جوار ما يسمي مذكراته (فيما يشبه اتفاق سري مع القارئ بانه "ليس بالضروره ان تصدق كل ما تقرؤه!"): واستطيع ان استمر في ضرب الامثال الي حد انك قد لا تندهش ايها المتابع الكريم اذا ما انتهيت الي نتيجه مؤكده-اقرب الي اليقين-ان هناك خطه كامله–منذ بداية الثوره-علي مستوي جميع المؤسسات- لتوجيه قضايا الثوره-رئيسيه وفرعيه- في اتجاه معين (ما بين احكام مخففه او تأجيل او براءه حسب الحاله) بهدف الوصول الي تنائج محدده ليست في صالح الثوره طبعا: ولعل المثل الحي هو فضيحة "التمويل الاجنبي" نفسها (تلك الاشبه بنكته يرويها اصلع ليهزأ فيها من صلعة زميل له ثم يتلفت متداركا كيلا يغضب رئيسه والذي تصادف ايضا انه اصلع او "خادمه" تغسل الاطباق النظيفه وتترك الاطباق "الوسخه" دون غسيل لانها تعتقد بانها لن تجد لاحقا ما تفعله: او لان مخدومها لم يأمرها بعد بذلك): وقبل ان اخوض في هذا الحديث-مرة اخري- اشعر ان علي –كمصري حر-ان اتقدم بالشكر الي السيده كلينتون والسيد ماكين اذ لولا رفضهما- بنزاهه- التورط في هذا العبث (ولولا ربطهما المعونه باداء المجلس العسكري) لما تمكنا من اكتشاف نفاق هذا المجلس وحكومته وحلفائه او استقلال القضاء من عدمه: واكثر من ذلك ادعم-كصديق- جهودهما لتقنين هذه المنظمات ونجدة المصريين المجاهدين المحبوسين حاليا علي ذمة التحقيق في هذه "القضيه" ومن تخلف عن السفر –لمؤازرتهم- من الامريكان (ويوما ما سيكون متعينا علينا جميعا ان نطلب منهم الصفح ولكن ليس قبل ان نطلق سراحهم اولا): فبعد ان ساهمت حكومه "الانقاذ" و"الخروج الامن" (تلك التي تجلس علي ريشه: ولن اسأم من التذكير بانها دخلت مكاتبها-ومنذ البدايه-علي جثث الثوار) في اثارة مشاعر الاحباط لدي البعض بعد اوهام البطولات الكيخوتيه الزائفه (وهذا مقصود بالمناسبه): اذا بها تختبئ خلف ظهر المجلس العسكري كما كانت تختبئ نجمه ابراهيم قديما-في الافلام-خلف ظهر ذكي رستم (الفتوه؟) ملقيه بالمسئوليه كلها علي اكتاف القضاء مواصله-بسخريه تثيرالشفقه- حديثها عن قدرة الاقتصاد المصري علي الاستغناء الفوري عن المعونه الامريكيه او استبدالها باخري (او جمعها من الفقراء؟) باعتبار ان المعونه الامريكيه -وكما اكتشفت فجأه- لا تمثل الا جزء ضئيل جدا من حجم الاقتصاد (ومع ذلك قد لا تجد الحكومه اي تناقض بين ذلك وبين مقولات مثل الاقتصاد يتداعي: الاحتياطي الاجنبي ينفذ: التضخم ينمو: الافلاس قادم الخ او مقولة ان جهاز الشرطه غير قادر علي اعادة هيكلة نفسه لانه لا يجد التمويل الكافي): او باعتبار -وكما كشفت لنا صحف الفاشيه الناصريه-ان الولايات المتحده "مرغمه" علي ان تمنحنا المعونه السنويه (مدنيه وعسكريه) علي اساس ان المعونه-كما قيل-لصالح الولايات المتحده اكثر من كونها لصالح مصر (حسنه وانا سيدك؟ التوت والنبوت؟) او ملحقه-حسب قول اخر- بمعاهدة السلام مع اسرائيل (وهذا هراء طبعا فالمعاهده لا تنص علي اية معونات سواء الي مصر او اسرائيل): وليس غريبا فلقد بشرتنا الوزيره الفدائيه-وزيرة العشر رجال- بالخبر السعيد ومفاده ان اليابان-وكما صرحت- علي وشك ان تصنع علي ارضنا سياره! ومع ذلك لم تخبرنا عن خواص هذه السياره؟ ولماذا اختارت اليابان مصر بالتحديد-وفي مثل هذه الظروف- لكي تصنع علي ارضها سياره؟ وما هو ثمنها؟ وهل يمكن ان تحل هذه السياره الاعجوبه مشكلة طوابير الوقود وانابيب البوتاجاز مثلا؟ او مشكلة الحمي القلاعيه المنتشره هذه الايام بين "البقر" و"الحمير"؟ (وبمناسبة الحمي القلاعيه وقبل ان يضع احدهم اسرائيل في جمله مفيده متهما اياها بانها-والولايات المتحده- وراء تدنيس الوادي "الطاهر" اقول: لماذا لم تظهر حمير وبقر الحمي القلاعيه في تونس وليبيا مثلا؟ لماذا لا نجدها في الضفه الغربيه وقطاع غزه؟ لماذا مصر بالتحديد؟): في الوقت الذي يخرج علينا فيه وزير الدفاع وبعد ان كسر حاجز الصمت-ولو لبرهه-لينبئنا-فيما يشبه الوعيد-ان ما تتعرض له "القوات المسلحه" من حملة "تشويه" و"استفزاز" لن يمنعها من القيام بواجبها في "حماية الثوره" بايحاء ان ما يتعرض له هو شخصيا ومجلسه وحكومته من "تشويه" و"استفزاز" انما يحدث بلا سبب وانه انما يقبله-بل ويبتلعه ابتلاعا- نيابه عن الجيش كله: يا حرام! (كما لو ان حوادث العام الماضي كلها بداية بموقعة الجمل وحتي مؤامرة بورسعيد جرت في عالم اخر!): اما ما يبعث علي عدم الارتياح حقا-وينبئ باننا نتراجع الي الخلف- فهو الظهور التدريجي لرئيس الوزراء السابق واعضاء حكومته (المقالين منذ شهور قليله) علي شاشة التليفزيون وصفحات الجرائد للدفاع عن انفسهم بل والتبرؤ-فيما يشبه الشماته- من الازمات التي تعصف بنا اليوم مع الحكومه الحاليه كما لو انه لا علاقة لهم بها (او كما لو انهم يحاولون ان يثيروا داخلنا مشاعر حنين الي "الزمن الجميل" الذي جمعنا بهم قبل ظهور المصائب السوداء شديدة التنوع): ورأيي ان اولئك الذين يخوضون في مناظرات "اسقاط-وتقسيم-الدوله" هم انفسهم من يفعلون ذلك: فالسؤال الاول هو: اي دوله؟ وهل الدوله فعلا هي الشرطه والجيش والقضاء "المستقل" فحسب؟ وكيف تسقط الدوله اذا كان نظام ما قبل الثوره-او ما قبل الدوله-واعوانهم من ترزية القوانين- مازال قائما علي حاله بكامل تشكيله؟ ازعم انه اذا كان هناك فعلا من هيأ له خياله المريض التامر علي مصر في هذا التوقيت: فهو بالتأكيد انسان فقد عقله: وهذا يجرنا الي السؤال الثاني: ماذا ينتظر؟ ومع ذلك لنفترض ان هذا المتامر (المجنون) مازال ينتظر الفرصه السانحه (لسبب او لاخر) التي ينقض فيها علي البلاد ويحقق اغراضه ولنفترض ايضا ان مصر في وضعها الحالي يمكن ان تمثل مطمعا بحيث يمكننا القول انها تسبح مثلا فوق بحر من النفط والغاز او انهار من عسل وحليب: ما الذي فعله وزير الدفاع واعوانه طوال عام كامل-عدا الاتهامات والكلام المرسل- لوقف هذه المؤامرات وكشف المتامرين؟ ولماذا لا يحركون شكوي واحده الي الامم المتحده -او الي الدول المتامره- تتضمن ما يملكونه من ادله وبراهين؟ ومره اخري: لماذا لا يكشف احد عن مؤامرة مصريه واحده في بلاده لقاء كل ما تتعرض له مصر-حسب زعمهم-من مؤامرات؟ واهم من ذلك: لماذا ترتبط المؤامرات عادة بما يخص الثوار الذين يضحون بحياتهم واوقاتهم واموالهم او الدول ومنظمات المجتمع المدني المهتمه بالديموقراطيه وحقوق الانسان؟ ان افضل ما يمكن ان يفعله متامر-في رأيي- هو ان يترك الحمقي يتحامقون بحريه دون تدخل وعندها سوف يشعر بسكينه نهائيه ان المؤامره نجحت قبل ان تبدأ! الحق ان دعاية–وتصرفات-هذه الحكومه تذكرني باعلان ثلاجات وستنجهاوس القديم والذي كان يقول: "لن تجد مكانا لحفظ الموز في ثلاجة وستنجهاوس ولكنك ستجد مكانا خاصا لكل شئ اخر تقريبا: مكانا للحوم واخر للخضروات وثالث للاجبان الخ اما الموز؟ فنحن نضعه في وعاء فوق الثلاجه!" (باعتبار ان الموز لا يوضع اصلا بالثلاجه!) والموز هو انا وانت وكل من صار عليه ان يتحمل العواقب اذا ما حاول المجلس العسكري استثمار الثوره-والتحول الديموقراطي- لصالحه ولصالح حلفائه (وفي ظل انتهاكات حقوق انسان واعتراض المجتمع الدولي عليها): ويتصرف الناس حيال هذا بوسائل عده فالبعض يتركون انفسهم للتيار السائد في توجه طائش جارف للعوده الي "ثلاجة" القديم من فساد وخرافه ورقابه وحظر وغيرها من ادوات  الجهل والاستبداد منسجمين تماما مع المخبولين الخرفين او ان شئت قلت "النصابين" من اصحاب نظرية المؤامره (ولا اتحدث هنا عن انصار الجاهليه الاولي الذين يدعون الي عقوبات وحشيه فيما يزدرون –علي الجانب الاخر-العلم والتعليم والتربيه الحديثه): واخرون ينظرون في دهشه مكتومه-واحيانا في اشفاق-غير مصدقين وغيرهم يتملكه السخط فيلح للتمسك بالتفكير السليم والحريه التي عرفناها في الايام الاولي للثوره: وبوزن كل هذه المواقف: اجد ان الفريق الاخير من ذوي الجلود القرنيه هو الفريق العاقل الذي يحمل رؤيه سديده ويري ابعاد مستقيمه للمستقبل ويتصرف بايجابيه في نفس الوقت: واستطيع ان اؤكد براحة بال ان مرحلة الحساب الجدي–لمن يتهربون منه-قادمه ايا كان ما يعطلها: ولذلك اقول لمن هو قلق علي الثوره (دون ان يفعل شيئا حيال ذلك): دع القلق وافعل شيئا: فالمستقبل في صالح الثوره: والحياه -كما انتهي ويلز-صاحب "الة الزمن"-سائره في مجراها الي نهايته بحيث لا يمكن اجبارها علي التراجع او تغيير مسارها او التخفيف من حدة ما حكمت به من احكام: والحياه لا تتوقف لاستعطاف احد حتي يدافع عما هو صواب: ولا تظن ان قوي الرجعيه سوف تتوقف عن الدفاع عن نفسها بل ستواصل ذلك وبلا دافع سوي التمسك بسيكولوجيا الرجعيه نفسها وان تقادمت وان كانت علي باطل: فالفعل الاصلي للحياه يتمركز اساسا في فضيلتي الكفاح (عكس اللهو واقتسام الغنائم) ومقاومة التخلف: والانسان الجاد يجعل من تمسكه بمبادئه-ومبالاته ببلده-سمة ومتعه شخصيه له وصفعه-في نفس الوقت-يوجهها الي وجوه اعدائه (وان كفر السواد الاعظم من الناس بها): فالارواح جنود مجنده -حسب القول الكريم: وشرف الرجل-او المرأه-وقيمته فيما يناضل من اجله وبذلك فالنضال هو مصير الانسان وجوهر انسانيته وجل ما يمكن ان يعطي حياته معني وهو ايضا الضمان الوحيد-في رأيي- لتحقيق اهداف الثوره: فالحق لا يضيع الا بالتفريط فيه او ارجائه: اما الخوف والسلبيه فهي مشاعر قد تصيب الجميع-بما في ذلك قوي الشر والرجعيه- ولا علاج لها الا بمزيد من الاقدام والتحدي (والتوحد والتضامن مع المظلوم في مواجهة الظالم): ورأيي ان قوي الرجعيه-ايا كانت ما تملكه من قوه ومال-هي الاحق بالخوف: فهي القوي المجرده من نعمة المستقبل-كما شرحت-وهي القوي صاحبة الافكار المتهالكه القديمه والاهداف الفرديه قصيرة الاجل والحلول الفاشله غير العمليه والتي لن تكون قادره ابدا علي صنع حضاره: فلا يغرنك تماسكها الزائف: فحب الوطن والاخلاص له هو المقياس وهو "هيبة الدوله": وحب الوطن ليس ترفا او حماقه او "افوره" او صوت عال او ذريعه لاستعداء-والاستعلاء علي- وطن اخر بل حب الوطن في قدرتك علي خدمة بلدك وما تبذله من تضحيات

الأربعاء، 11 يناير 2012

ازدواجية الحريه (3)

وعلي اية حال لم تكن التجربه الفاشيه–حتي بعد سقوطها المروع في اوروبا- ممنوعه في مصر والشرق الاوسط: بل كان المواطن البسيط-قبل المفكر والسياسي-ينظر الي هتلر بصفته وطني "جدع" وصاحب تجربه صناعيه كبري وميول غير استعماريه كما كان ينظر اليه بصفته صديقا: وكان بعض الحضور النازي كفيلا بتدعيم هذه الذهنيه: فعلي المستوي الاقتصادي نجد اتفاقيات التجاره وبعض مشروعات البنيه الاساسيه التي اقامها النازي لكسب تعاطف الناس في الشرق الاوسط (كقطار بغداد مثلا): وعلي المستوي الثقافي والسياسي: لا يمكن تجاهل سطوة فلاسفه المان من امثال فتشه وهردر علي عقول العروبيين الاوائل: رافقه اقتراب نازي ملحوظ من بعض السياسيين المشاهير (ويقال ان فاروق نفسه كان متعاطفا مع النازي الي حد انه كان يفضل–اذا ماخير- احتلال الماني علي البريطاني!)

بل وصل الامر الي ابعد من ذلك فما ان استقبل هتلر شيخ الجامع الاقصي في مقر الرايخ ببرلين حتي انتفض البعض-بكل جوارحهم- فكتبوا المقالات ونظموا الاشعار وسموا ابناءهم باسمه (كما لو كنا بصدد احد ابطال المثولوجيات القديمه) بل واعلنوا تحوله الي الاسلام (وهو ما لم يحدث طبعا كما انه لن يزيد الدين الاسلامي شرفا ان ينتسب اليه دموي مثل هتلر: ما يذكرنا بشائعة اسلام نابليون: ما يوحي ان الذهنية لم تكن قد تغيرت كثيرا بنفس السهوله التي تغير فيها شكل الطربوش او العمامه في هذا العصر او ذاك: ولا يخفي ان النازيه لمن قرأ عنها ولو قليل تحتقر جميع الاعراق والثقافات الاخري من خارج العرق الاري (ناهيك عن نسخه محليه منها) وهي فكره سخيفه علي كل حال)

ومما يثير كل دهشه ان هذا كان يحدث فيما كان هتلر وموسوليني معا يقصفان بالطائرات احياء باكملها في القاهره والاسكندريه وبشكل شبه يومي مع كل ما كان يسببه ذلك من دمار وخسائر في الارواح

وليس غريبا طبعا ان يكون غير بعيد من هذه الماسي الفكريه–وكما هي العاده-ايدولوجيات متطرفه معروفه مسبقا بارتباكها الفكري والمعرفي ومراهقتها السياسيه مثل اعضاء حزب مصر الفتاه القديم والاخوان المسلمين الخ متخذين من هوجة النازي تلك ستارا لمعارك سياسيه

ولا يخفي اننا مازلنا-والي اليوم- نجد صدي لذلك النمط العجيب من التفكير فنجد من يكبد نفسه كل هذا العناء ليبقي علي مظاهر الاكبار والتهليل التي حصل عليها بعض الطغاه قديما بينما كان باستطاعته ان يصل الي نتائج افضل كثيرا بمزاولة القليل من الفكر او عني ولو قليلا بتفحص الحقائق والادله

وعلي هذا خذ عندك: فلان–او فلانه- "نطق الشهادتين" او "من ابناء البلاد الاصليين" او وضع علي عاتقيه اقامة "وحده عربيه" او "خلافه اسلاميه" وقد يلحق بهذا النوع من المزاعم انفعال او اعمال عنف اقل ما توصف به انها صبيانيه ثم سرعان ما تتضح الحقائق فنتبين ان الامر لا اساس له او ان ذلك الفلان–او الفلانه- تراجع عن عزمه او انتمائه الجديد (وهذا من حقه طبعا واراه طبيعيا وسط هذا الجنون) او ان فلان علماني الفكر (ليبرالي او يساري) يخالفهم التفسير: ومع ذلك قد نجد فريقا منهم -وللغرابه الشديده- حتي بعد الكشف عن الحقائق والادله-لا يضيعون الفرصه دون اتهام احد بالكفر او العماله: بما يعطي انطباعا ان دوافع هؤلاء لا تكون ابدا بمعزل عن منافع معينه: سياسيه او اقتصاديه: او ان حقيقة محتويات الفكر والاراده المقترحه نفسها مشتقه من حاله ليست اصيله بل يكون الاصيل والناضج فيها هو الاستثناء (وجدير بالذكر ان الانتماء الي ديانه او ثقافه في حد ذاته لا يفرض علي الانسان ان يعادي ديانه-او ثقافه- اخري او ان يبتلعها: خصوصا تلك الديانات والثقافات التي تشترك مع ثقافته ودينه في الايمان والجذور: فلا توجد تلك الظاهره التي يستطيع الانسان من خلالها معاداة ديانه او ثقافه او جنسيه الي الابد والايه القرانيه تقول: "وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل علي الله")

ونحن اذا ما حللنا ايدولوجية عبد الناصر من الناحيه الاستراتيجيه (بعد الدروس الخصوصيه) نجد انها اساسا مزيج من افكار هؤلاء المجانين: رغبه مكثفه في القوه والسيطره والتعصب الاعمي لعرق او ثقافه او دين

ولنتفحص الهيئه التي ظهر عليها عبد الناصر عام 1956 ولنسوق عليها مثالا بهيئته قبل ذلك بعامين فقط اي قبل نجاحه مباشرة في اقصاء محمد نجيب والغاء الحياه الحزبيه وتصفية الحركه الوطنيه وجمع السواد الاعظم من الشعب اما في حزبه او البيوت او المعتقلات: لندرك كيف يمكن للتحامل الانفعالي وعدم القدره علي استحضار الفكر او كسب اصدقاء (والانفراد بالرأي والسلطه؟) ان يتسبب في ماسي كثيره

ولنتذكر ذلك الخطاب الناري اللاذع في بداية ذلك العام والذي هاجم فيه عبد الناصر الجميع تقريبا-بل ووجه لهم السباب- ملصقا نفسه بالاشتراكيه والقوميه (النازيه؟) مذكرا الشعب بالجور الذي اصاب مصر وسائر دول الشرق الاوسط جراء الاستعمار (وهو جور مؤلم طبعا وبكل المقاييس ولكن ما هو مؤلم اكثر استخدامه تمهيدا لجور اكبر: وانا اتحدث هنا عن عمليات التأميم العشوائي التي توسعت وتجاوزت قناة السويس وكبار الاقطاعيين فطالت مشروعات متوسطه لاناس شرفاء عصاميين من الطبقه الوسطي)

ثم اعود بذاكرتي اكثر الي امين عثمان –قبل يوليو 1952-وقبل اغتياله طبعا- وهو ينادي باهمية استئناف علاقات وديه مع بريطانيا بعد الجلاء (بعد ان تحدد موعده فعلا انذاك) مذكرا بمصالح مصر علي المدي البعيد (وامين عثمان لمن لا يعلم احد اقطاب الليبراليه المصريه وله تاريخ سياسي ونضالي مهم)

والقول بان الظروف التي نشأ فيها الدكتاتور والطابع السيكولوجي لشخصيته يعكس بشكل اكثر حده عملية اختياره لايدولوجيته واسلوب حكمه هو شئ صادق تماما في رأيي ويتجاوز سوء  الظن

واظن ان نجيب محفوظ هو افضل من انكب علي دراسة الشخصيه المصريه في تلك الفتره بصوره اكدت للعالم كله انه لم يكن ابدا اديب عادي وان لم يفهم البعض الرساله فانتهوا الي مشاعر سلبيه ضده او محاكاة –علي الجانب الاخر-بعض الشخصيات السلبيه التي كان يرصدها في رواياته ظنا منهم –ولا اعلم كيف توصلوا الي هذه النتيجه- انه ليس في الامكان ابدع مما كان او انه كان يقصد من تصوير تلك الشخصيات الاطراء عليها او التكيف معها (وليس كشفها وتعريتها والبحث عن وسائل تغيير) فنجد–والي اليوم-من يصر علي الصاق الاستبداد والفساد (والرغبه في الخضوع) بطبيعة الشخصية المصريه كما لو كان عملا اصيلا لابد من قبوله كما يقبل الراعي ما يولد له من خراف (طالما ان مصيرها جميعا-في النهايه- سيكون سكين القصاب!)

وازعم ان شخصية عبد الناصر تمزقت–طوال حياته-ما بين مصر التي عرفها وارادها ومصر التي عرفها وارادها الشعب والتاريخ: ما بين اعجابه–ولو بصوره سريه-بالنموذج الغربي الديموقراطي ومصالحه المعلنه مع النموذج الاستبدادي: الانفراد بقوه والخضوع لاخري

فلما كان عبد الناصر قد تربي تربيه محافظه تقليديه للغايه وفي مجتمع طبقي يشكو اثار قسوه وعنف بشكل غير عادي بل اثار عبوديه واقطاع وملكيه مستهتره شبه شموليه وحمايه-وامتيازات- اجنبيه: وبالتالي حالات تمييز صريح بين الاجنبي والمصري: العامل وصاحب رأس المال: الافندي والفلاح: الجنوبي والشمالي: الذكر والانثي: المسلم وغير المسلم (بل ان الاضطهاد كان يشمل الباشا والبيه لمجرد انه نشأ عصاميا خارج محيط العائله المالكه) لابد وان كل هذه الظروف تجمعت معا وملأته بشعور متطرف بالاحباط والتحفظ تجاه الاخر من الذين كان يذكرونه دوما–ولم يكن هذا عادلا طبعا-وبأي قدر-باحساس من العجز والدونيه: حتي "الافنديه" المتعلمين من ابناء الطبقه الوسطي المثقفه او "المتفرنجين المتأمركين"–حسب تعبيره- لم يكن يتصورهم سوي هجين زائف لمجرد انهم كانوا مختلفين (وهذا هو السبب ربما وراء ذلك الشعور الذي لازمه طوال حياته للسيطره عليهم او اضطهادهم؟) بحيث قادته الظروف الي الالتحاق بالكليه الحربيه كيما يضمن -بعد تخرجه- وظيفه وراتب شهري ثابت ومركز اجتماعي وبأقل قدر ممكن من التعليم

وهكذا وفي مناخ كهذا ومن كل هذه المشاعر المتلاطمه–والعقد التاريخيه الغائره المتراكمه- وعلي هذا الاساس الشخصي جدا- جاء شوق انفعالي لعبد الناصر لان يحكم منفردا وان يحاول تشكيل وجدان جيل كان–انذاك- في وضع سيكولوجي مقارب جدا لعبد الناصر ومن هنا جاء التوافق (وهو جيل يختلف تماما -في رأيي- عن اجيال اليوم: الي حد يجعل من التباين بين ما يحدث اليوم وبين عالم ما بعد الحرب العالميه الثانيه لمما يفوق كل تصور بل يجعل من ذلك الضرب من المقارنات نفسه عديم الجدوي اذ ان سنة الحياه هي ان يسلم جيل الرايه لجيل اخر وليس ان يتسلط جيل علي جيل)

وربما كان هذا هو السر وراء احتفاظ عبد الناصر-الي اليوم- ببصمات بضاعه عفي عليها الزمان:

ولنتذكر ان الشعب المصري لم يحكم نفسه بنفسه ابدا منذ عصور الفراعنه القدماء وحتي يوليو 1952: اما وقد فعل هذا واكثر من ذلك وجد في حاكمه الاول الجديد ما يشبهه فقد يكون هذا هو الفردوس بعينه بالنسبة له! (وانا علي المستوي الشخصي -وفي هذا المجال- اؤمن بالحكمه التي تقول: ليس كل من يشبهك ملاك)

ناهيك طبعا عن القضايا الوطنيه الرئيسيه التي شهدتها تلك الفتره والتي حركت الشعب في اتجاه التضامن معه: وان اصبح خيار الشعب الصبور هو تجاهل الشكوك والتضحيه بالاولويات من اجل الخروج من بعض المأزق المؤسفه الخطيره التي تسبب فيها نظامه: وهو خطأ استراتيجي في نظري اذ عادة ما يكون صاحب الاخطاء الكبيره غير قادر علي اصلاحها: ودليلي علي ذلك هو ما يحدث اليوم ففي ظل عدم وجود قضايا تحرر رئيسيه ظهرت قضية التحرر من الفساد والاستبداد بصفتها قضيه وطنيه في حد ذاتها لا يمكن تجاهلها والا اصبح تجاهل الشعب لها–هذه المره ايضا- شيئا لا يحتمل

وقد يبدو الحديث عن اسلوب ادارة عبد الناصر للسياسه الداخليه –وهو بالمناسبه ليس لغزا محيرا-خرافيا ان لم نتحدث عن النتائج:

ولابد وان نتفق ان عصر عبد الناصر شهد البداية الحقيقيه لانكماش الاقتصاد المصري وارتفاع معدلات التضخم: كما شهد تقلص الانتاج وبداية التوسع في الاستدانه الداخليه والخارجيه ونمو الجهل والاميه والفقر ليطال الجميع (عدا الحكومه؟): كما شهد البدايه الاولي لظاهرة الجفاف والتصحر وزحف العمران الي الاراضي الزراعيه الخصبه القديمه وبداية التلوث ومن ثم بروز مشكلات بيئيه وصحيه خطيره وليدة زمانها فيما تدهورت–وتوطنت-مشكلات قديمه بسبب انها ظلت بلا حل منها مثلا مشكلات السكان والاسكان والمشكلات الاجتماعيه (اسره ومرأه وطفل) كما تدهورت الثقافه بشكل عام وظهرت–وتصاعدت- اوجه قبح وتمييز وتعصب لم تكن رائجه: بل ان الجريمه نفسها-ويا له من نذير- اتخذت اشكالا لم تكن متداوله من قبل بين المجرمين بنفس هذا الحجم (خصوصا الجرائم المرتبطه بالاخلاق والشرف والامانه) الي جانب طبعا ظهور-وتصاعد- التطرف الديني

وبنظره واحده نجد انفسنا –وبصوره جوهريه- امام مشكلة مركزيه وبيروقراطيه في اتم صورها (ولا اتحدث بالضروره عن الفساد) حين تتحول الحكومه الي الدوله والدوله الي الحكومه وحين يتحول السواد الاعظم من الشعب الي جيش جرار من الموظفين يعمل لدي الحكومه لتتحول الحكومه الي شئ أشبه بخليه سرطانيه تنمو علي ما هو متاح لها وبلا ضابط (اي دون ان تقوم بتوزيع ما تحصل عليه من مخصصات ماليه علي المحافظات الاخري المنتشره علي الخريطه وبشكل متوازن): بل ودون أن تتخذ الخليه الرئيسيه نفسها شكلا معينا أو هيئه تميزها بما يدفعها–وبشكل متنامي-الي انشاء-بل وابتكار- خلايا جديده الي حد اصبح معه اي استئصال لاي خليه يشكل حافزا جديدا لها لكي تبدأ في الانقسام مرة اخري والتغذي والتمدد وبلا توقف (والنفور في الوقت نفسه من غيرها) كما لو ان الاستئصال في حد ذاته قد استفزها!

بحيث لم تتمكن مصر ابدا- حتي بعد استرداد قناة السويس-وبعد بناء السد- من ملاحقة النمو المتزايد في اعداد المنضمين الجدد الي سوق العمل بالنسبه لما تقدمه–او ما لا تقدمه- الحكومه من فرص وخدمات وما يدخل خزائنها من موارد وما تنفقه من نفقات (كانت دوما هائله في واقع الامر: ليس فقط بسبب الفساد والبنود السوداء (سريه ومعلنه) والمجهود الحربي والحصار الاقتصادي والاستدانه بانواعها الخ وانما بسبب–مره اخري-ضخامة حجم الحكومه وعجزها عن القيام بواجباتها: اذ ظلت الحكومه دوما كالبدين العملاق ضخم الكرش الذي لا يستطيع الحركه اوالوقوف علي قدميه (ربما بسبب ثقل وزنه مقارنة بقدرة قدميه علي التحمل؟) ومع ذلك فهو مكلف بالانتقال من مكان الي اخر ومن حجره الي اخري

ولا يخفي ان دور الحكومه الرئيسي-عبر التاريخ- هو ان تقدم اكبر قدر من الخدمات باقل قدر من النفقات والتعقيد الروتيني: بحيث لا يمكن ان نصف بلد ما بانه "متحضر" او "متمدن" دون ان تصبح الحكومه  قادره علي توزيع جهودها علي كامل مساحتها الجغرافيه وبشكل عادل وبالسرعه الواجبه:

وكذلك دور كل محافظه ليس استنساخ نموذج العاصمه بحذافيره او مساعدتها في تحقيق اهدافها وانما توزيع ما تحصل عليه من سلطات ومخصصات ماليه علي المدن والقري والكفور والنجوع (او المطالبه بالمزيد من السلطات والمخصصات والاصرار عليها ان لم يكن ما تحصل عليه كافيا) علي طريق تقديم خدمات

بل ظهرت المركزيه علي مستوي وزارات الحكومه نفسها فصرنا نري وزارات اعلي رتبه من غيرها (رغم اهميتها القصوي) وفي ظل معدلات انتاج منخفضه: فيما ظهرت-علي الجانب الاخر- وزارات مفتعلة تماما بلا دور حقيقي اذ كان كل دورها هو تعيين الخريجين (وخدمة وزارات اخري؟)

في الوقت الذي تحولت فيه المدن--بما في ذلك احياء كامله داخل العاصمه- الي تجمعات عمرانيه قبيحه مهمله متراصه جنباً الي جنب ومحاصره بالعشوائيات: لا تحركها سوي تلك الرغبه في التمدد والانتشار وبلا رابط يربط بينها (وليس الامر ان يصبح لدينا اكثر من مدينه–الي جوار العاصمه- قادره علي نشر اشكال وادوات ومفاهيم الحضاره في كل محافظه: كما ان العاصمه بدورها مناره حضاريه لغيرها من المدن)

والمفارقه ان الحكومات المتعاقبه–ومنذ عبد الناصر-كانت غالبا ما تلجأ الي التعميه بل والكذب-للاسف الشديد- وتلقي بمسئولية ظهور المشكلات وتفاقمها علي اكتاف الشعب فيما كانت هي–بسبب تركيبتها الاستبداديه- المسئول الوحيد عن كل ما يحدث

في الوقت الذي لم تكف فيه الحكومه عن استدرار شعبيه: ما يذكرنا تلقائيا بالموالد الشعبيه حين يصبح علي اللاعب ان يصيح مطالبا الجمهور بتشجيعه اولا والا فانه لن يلعب!

ورأيي ان الحكومه الفاشله هي التي تبرر عجزها بتصرفات السكان والزياده السكانيه: فالمشكله لا تتمثل ابدا في الزياده السكانيه والهجره الداخليه وتكدس السكان الخ كما اوحي لنا عبد الناصر (وسار علي خطاه غيره) وانما في اهمال-وبطء- وتقصير الحكومات المتعاقبه في حل المشكلات وتقديم الخدمات (الي ان تفاقم الوضع تماما في عصر الرئيس المخلوع فتحولت الهجره الداخليه الي هجره عبر البحار)

وطبيعي في دوله قامت اساسا علي الاستبداد ان يصبح الشبح الذي يطاردها دوما هو "حماية" النظام (وليس خدمة المجتمع): ليتركز الاداء والانفاق علي الجانب العسكري والامني

وبالنسبه للانفاق العسكري والامني فنحن طبعا لا نتحدث عن طفره غير عاديه في مخصصات وزارة او اكثر علي حساب وزارات اخري (وبالتالي علي حساب المواطن العادي البسيط) والتي نعلم جميعا انه قد شابها طويلا -ومازال - الكثير من الغموض والبنود السريه والتوسع في مشروعات مدنيه: اقتصاديه وترفيهيه: وانما نتحدث عن تكريس ثلث ميزانية الدوله تقريبا-ولعقود - لصالح مؤسسه واحده (سواء في حالة وجود–او عدم وجود- مجهود حربي)

كما نتحدث عن وقت وجهد غير طبيعي قضاه كل رئيس مع هذه الوزاره بالذات اكثر من غيرها الي جوار ما قدمه لها من امتيازات وما اتاحه لها من فرص دعم مالي يأتيها من الخارج

ونتحدث عن مناصب حيويه في الوزارات الاخري والمحافظات والسفارات صارت بمثابة ارث يورث للعسكر من الجيش والشرطه يديرونها بنفس سيكلوجية العسكر تقريبا!

ما بين صعود متنامي للعسكر وصل الي اعلي ذروه له مع منتصف ستينات القرن الماضي (وبقي ثابتا علي نفس المستوي تقريبا الي منتصف تسعينات القرن الماضي ابان حرب الخليج والحرب علي الارهاب): وبين صعود للمدنيين ظهر بشكل اكبر مع معاهدة السلام الي ان تجاوز المكانه البارزه للعسكر-لاول مره- مع ظهور مشروع التوريث

بما اسهم طبعا في تعاظم دور-وثقافة- العسكر في الحياه العامه بما لا يقاس: فاصبح السلوك الشائع هو استدرار الولاء او فرضه بالقوه من خلال منح امتيازات–او حجبها- بناءا علي ما يبديه "الموظف"–او المؤسسه- من "ولاء" وما يقدمه من تنازلات وبناءا علي فائدة هذا طبعا بالنسبه للزعيم فان لم يكن له فائده فهو بلا قيمه وعلي صاحبه العوض (والملاحظ هنا انه حين اراد "ولي العهد" تكريس حكم ابيه في دوله "نصف مدنيه" (بقيادته طبعا): وبعد انتصاره الجزئي في تلك المعركه المفتعله الهزليه فيما سمي انذلك معركة الحرس القديم والحرس الجديد (اي بعد ان جمع مصر كلها تقريبا في حزبه) لم يقترب بنفس القدر من العسكر (اما بسبب انه لم يقنعهم بما يكفي فتباعدوا عنه او العكس): وليس غريبا والوضع كذلك ان تتنامي داخل نفوس العسكر مشاعر متلاطمه ما بين امتعاض واحباط وخوف من ان يكونوا او يكون الجيش قد فقد مكانته وامتيازاته التي اكتسبها مع عبد الناصر (باعتبار ان عسكرة الدوله هي الاساس): وهو احساس زائف طبعا اذ ليس معني تراجعهم الي المرتبه الثانيه وتجاوز اخرين لهم انهم فقدوا شيئا)

صحيح ان مصر في عصر عبد الناصر تمكنت من الغاء الملكيه واعلنت الجمهوريه (وهو اهم انجازاتها علي الاطلاق في رأيي): وصحيح انها استردت قناة السويس وقامت بدور حيوي في دعم الاشقاء والجيران علي طريق التحرر من الاستعمار (وهو واجب عليها) ثم اقامت علاقات تعاون متميزه معهم بعد تحررهم (وهي علاقات اخوه وجيره راسخه بين الشعوب ومنذ الازل وليست مرتبطه بالضروره بمشاريع التوسع باسم الوحده او حتي الوحده من اجل الوحده):

وصحيح انه في ذلك العصر قلت الفروق بين الطبقات واولت الحكومه اهتماما بالعامل والفلاح البسيط وسخرت جانبا كبيرا من ميزانية الدوله في مشروعات تنمويه كبري: صناعه وزراعه وطاقه وري واسكان وتعليم وقوي عامله الخ: ولكن لقاء هذا ظلت التنميه الناشئه منحصره لفترات طويله في نتائج محدوده وحلول تقليديه جامده الي ان تراجعت بل تجمدت تماما مع يونيو 1967 (مع تحفظي طبعا علي كثير من هذه المشروعات سواء من حيث الجدوي او الجوده او النتائج: وبالنسبه لمشروع السد علي سبيل المثال: صحيح ان المشروع امد مصر بالطاقه ومنع الفيضان الا انه تسبب-علي الجانب الاخر- في احتجاز طمي النيل الطبيعي الذي كان يخصب التربه (فظهرت الحاجه الي بدائل صناعيه كانت مؤذيه ومكلفه بكل المقاييس) كما تسبب في حرمان مصر من جانب كبير من حصتها من المياه اذ تجمع جزء كبير من هذه المياه في الجنوب -في بحيرة - عرضة لدرجات حراره عاليه وتبخر متزايد: كما تسبب مشكلة تراجع الثروه السمكيه النيليه ومشكلة اهالي النوبه: ولا يخفي ان تلك الاثار السلبيه للمشروع ساهمت بشكل كبير في ظهور-وتفاقم-مشكلة الجفاف التي تحدثت عنها بحيث اصبحت تشكل تهديدا خطيرا ستكون له نتائج كارثيه اذا ما ظللنا عاجزين عن ايجاد حل (اذ صرنا نتحدث اليوم عن انهيار دلتا النيل بالكامل تحت ضغط متزايد من البحر المتوسط): ويلاحظ هنا انه علي الرغم من ان مشروع توشكا كان الهدف الاساسي منه هو السيطره علي الاثار الجانبيه لمشروع السد دون استبدال السد بمشروع اخر للطاقه (كمشروعات الطاقه البديله مثلا؟) الا ان توشكا لم يضع حدا ابدا لمشكلة الجفاف وحرارة الجنوب وتبخر المياه فتراجعت اهميته رغم كل ما انفق عليه):

ورغم انني شخصيا اميل الي اليسار الا انني لا اؤمن ان التأميم واحباط الملكيه الخاصه والغاء القطاع الخاص بشكل كامل وانشاء حكومه كبيره من شأنه وصفة نجاح جاهزه للاشتراكيه والقضاء علي الاحتكارات

وهكذا ليس غريبا ان يعود العامل والفلاح البسيط -بعد وقت قليل فقط من اعتقاده بانه استعاد حقوقه وكرامته- الي استجداء حقوقه وكرامته مرة اخري وبشكل اكثر حده عن ذي قبل: وربما يكون السبب ان عملية استعادة الحقوق والكرامه كانت شكليه تماما  ونسبيه اذ لم يكتسبها-ومنذ البدايه- الا بقدر ما سمح به "الزعيم" وعن طريق الانتقاص من حقوق وحريات وكرامة طبقات اخري-وعلي رأسها الطبقه الوسطي المتعلمه- فيما لم يقابل ذلك بالضروره تطور ملحوظ  في نوع-وكم- الخدمات المقدمه له علي جميع المستويات: تعليم وثقافه وصحه وبيئه واجتماع واقتصاد الخ

الي ان انتهي الامر لاحقا–بعد سقوط حائط برلين-الي رأسماليه مفترسه وطائشه بلا مبادئ اتخذت من السلطه رفيق لها دون الشعب بحيث باعت من خلالها الجانب الاعظم مما أممه عبد الناصر او انشأه الشعب وباسعار زهيده: فيما بقي-علي الجانب الاخر- حجم الحكومه الضخم والانفاق والاستدانه الداخليه والخارجيه علي نفس المستوي المرتفع –بل المتضاعف-وبدون ابتكار حلول جديده فيما يخص تنمية الموارد وتحفيز الانتاج (ناهيك طبعا عن خلق فرص عمل جديده واجتذاب الاستثمارات وعلي جميع المستويات: حتي القطاع السياحي ظل نموه عشوائيا وبلا تطوير حقيقي اذ ظل مرتبطا فقط بما نعرضه-وبصوره بدائيه جدا- من اثار)

وهذا يقود الي استنتاج مؤداه ان "الضباط الاحرار"-وبعد ان تحرروا-  لم يقصدوا ابدا حريه ومساواه وكرامه وعداله اجتماعيه: وانما قصدوا استبدال اقطاع باخر-وارستقراطيه باخري- هو اقطاع–وارستقراطية– الدوله: بحيث انحسرت السلطه والثروه دوما في فئة قليله من "بهوات" و"باشوات" الثوره الجدد يورثونها لغيرهم من جيل الي اخر عن طريق منصب النائب (الي ان حاول الرئيس المخلوع تعديل ذلك)

بل ان اشتراكيه "الضباط الاحرار" لم تمنعهم من ان يتمازجوا ويتزاوجوا-ويالا المفارقه- بنفس طبقة الاقطاع القديمه التي ثاروا عليها: كما لو كان الشعور بالظلم الذي حركهم انتهي باستيلائهم علي السلطه (بالضبط كما لم تمنعهم الاشتراكيه من اضطهاد اليسار المصري والتنكيل به في المعتقلات):

والحق وبنظره فاحصه -اذا ما تأملنا يوليو 1952-كما ارادها "الضباط الاحرار"- من خلال السياق التاريخي المنطقي (اي بعيدا عن "حديقة الديناصورات" او في هذه الحاله: "حديقة المومياوات") ربما نعجز عن ايجاد تبرير عقلاني لظهورها علي الرغم من وجود كل مبرر واقعي ووطني: بما يجعل البعض-حتي من بلغ مستوي معين من النضج والتفكير- كثيرا ما يتملكه شعور متناقض تجاهها علي طريقة:" نعم انا مع الثوره: واظن ان مصر كانت في حاجه اليها وفي تلك الحقبه بالذات: ولكن لست مع الاشخاص الذين اداروها": وهو تناقض او حيره–علي هذا النحو-وبهذه النتيجه- قد يكون مفهوما ومرضيا في ذاته ويشبه تناقض جديد يعيشه البعض اليوم (وهناك نكته بالمناسبه علي هذا التناقض وتلك الحيره: ان شخصا استولي علي جره زجاجيه اقترضها من جاره (بحكم مرور الزمان وتقادم وجودها معه طبعا) وعندما اصر الجار علي استعادة الجره واتهمه بالسرقه اذا بالرجل الذي استولي علي الجره دون وجه حق يحضرها ويكسرها امام عينيه قائلا: اما الجره فعوضك علي الله: واما انا فلست حرامي!)

وعلي كل حال يوليو 1952 لم تكن ابدا استكمالا -او استدراكا- لمسار الحداثه (والديموقراطيه؟) الذي عرفته مصر مع سعد زغلول في مارس 1919: ولم تكن طبعا اذعانا لارادة الشعب في 25 يناير 1952 (وان بدت كذلك في البدايه):

اقرب مثال من التاريخ لما حدث في يوليو 1952 برأيي –وبكل نزاهه وموضوعيه- هو نموذج هوجة عرابي: حلقه جديده من حلقات القرن التاسع عشر والتي غالبا ما تبدأ باهداف اقتصاديه او فئويه بحته وتنتهي باهداف سياسيه: بحيث انه لولا تأخر رواتب الضباط واقصاء البعض منهم من مناصبهم-بما في ذلك عرابي نفسه- ولولا ظهور العنصر الاجنبي علي مسرح الاحداث لما تنامت مظاهرة الضباط واقتحمت وزارة الماليه ثم ذهبت فيما بعد الي عابدين للوقوف في وجه الظالم ليتطور الامر الي المطالبه بعداله شامله-ليس علي مستوي وزارة الحربيه فقط- وانما علي مستوي تغيير شكل الحكومه وعزل الخديو حتي اتسعت الحركه وتحولت الي ثوره دعمها الشعب

ونلاحظ درجة التشابه حين نرصد الاسباب التي حركت محمد نجيب ورفاقه في البدايه والتي لم تتجاوز كثيرا الاحتجاج–وسط موجة الاحتجاجات-علي نتيجة انتخابات نادي الضباط واحساسهم بأن القصر كشف هويتهم (ومن ثم لزم المبادره)

كما ان ادارة "الضباط الاحرار" للحروب (ولن اتحدث عن يونيو 1967) كانت لا تخرج عن نفس الاسلوب الذي تبناه عرابي عام 1882 تقريبا: الكر والفر والانسحاب من منطقه–او مدينه- لتأمين اخري و"المقاومه الشعبيه المسلحه" بحيث انه لولا تكاتف المتطوعين من الشعب اولئك الذين حملوا السلاح واصروا بفدائيه منقطعة النظيرعلي الدفاع عن بلادهم لما توقفت الحرب ولوقعت مصر بالكامل-وليس قناة السويس وليس سيناء- تحت مغبة الاحتلال: ولاستسلم عبد الناصر كما استسلم عرابي

وبنفس القدر لا تختلف العمليه الدعائيه في زمن "الضباط الاحرار" كثيرا عن نظيرتها في زمن عرابي  اذ غلب عليها طابع الهوايه والتعتيم بل والكذب الصريح لنجد من يتحدث عن خسائر غير حقيقيه لدي الطرف المعادي ويقلب الهزائم الي اخبار انتصارات: ما يذكرنا ايضا بما كان يكتبه مؤيدي عرابي من كتاب زمانه حين كانوا يتحدثون-وبنفس الحده- وكلما اقتربت القوات الغازيه من القاهره- عن انتصارات وغنائم الي ان استيقظ السكان ذات يوم ليروا القوات البريطانيه امامهم رأي العين تتجول في الشوارع وتقيم الكمائن والمتاريس ليتم الاحتلال والتسليم

وهذا لا يعني ان القضايا الاقتصاديه او الفئويه ليست مهمه او انها لا تستدعي ثورات وانما اعني ان هذا النوع من الثورات عادة ما يبدأ باقل القليل من المبادئ والتجارب السياسيه والوطنيه تلك التي وان تجاوزت الوظيفي (العسكري) منها ما كانت لتتجاوز المحلي (فالثوره الروسيه مثلا – رغم انها كانت ثوره شعبيه خالصه-  الا انها قامت بصوره اكبر علي دوافع ومبادئ اقتصاديه بحته واقل القليل من المبادئ السياسيه)

ومع ذلك فانا اؤمن ان نموذج عرابي قد يكون اكثر منطقيه واكثر عصريه وتقدميه من نموذج "الضباط الاحرار" ولا يحمل في نفس الوقت التناقض -والغربه- الذي قد نشعر به معهم اليوم: باعتبار انه من بين مطالب عرابي–الي جوار التحرر من الوصايه الاجنبيه-الانتقال من النظام الاستبدادي الي ما سماه نظام "الشوري" (وهو ما تحقق فعلا فيما بعد مع سعد زغلول)

ورأيي انه لا يمكن لنظام قائم علي مبادئ سياسيه واضحه ان تصبح مشكلته الاولي–وبصوره جوهريه- ان يدافع عن سياساته وتشريعاته بصفتها مبادئ عامه ثابته لا تتغير لتصبح مشكلته التاليه هي كيف يورث تلك السياسات والتشريعات من جيل الي اخر (ربما قبل ان تحدث الطامه الكبري ونفهم معني لتلك المبادئ اصلا وعلاقتها بالواقع والمستقبل؟ وبمناسبة المبادئ عندي سؤال: اذا لم يكن الانتفاع من صراع قائم بين طرفين متناوئين ايدولوجيا هو ابتزاز رخيص وانتهازيه فماذا يكون؟ ثم ما هو الفارق بين "تبعيه" شرقيه واخري غربيه؟ ولمن يتحدث عن سايكس-بيكو: يكفي ان نعلم انها لم تخترع جديد وانما اكدت علي حدود قديمه كان لها وجود فعلي في كتب التاريخ وفي الخرائط القديمه بل وداخل وجدان شعوب المنطقه ولالاف السنين فقبل سايكس-بيكو كان هناك –بالتأكيد- من هو قادر علي التعرف علي دول وحضارات مثل مصر وسوريا والعراق وليبيا وتونس واليمن واثيوبيا ولبنان وتركيا وايران الخ)

والدرس المستفاد: لابد علي من يضع اللبنه الاولي للعمليه الديموقراطيه –او العمليه السياسيه بوجه عام- ان يكون منها وان يمتلك من المبادئ السياسيه الديموقراطيه ما هو مؤمنا به مدركا-في نفس الوقت- ابعاد ما يقوم-وما لا يقوم- به: باعتبار ان كل يتصدي لما يخصه ولما هو معني به

ولابد وان احذر هنا من الخلط الذي يقع فيه بعض الناس حين تكتنف بعض الحكومات الفاشله او الكسوله او اللصه او التسلطيه نزعة تبرير ما تفعله–وما لا تفعله- وذلك بالايحاء المستمر ان العاملان الاقتصادي والامني وحدهما كفيلان بالاستقرار او بنقل النظام الاجتماعي والسياسي الفاشي الفاسد الي الديموقراطيه او انهما البدايه الواجبه التي لابد وان تقوم من خلالها اي نهضه وانهما يحددان وحدهما شكل هذه النهضه كما سيحددان شخصية الانسان الفرد والمجتمع

والحق ان البناء الاقتصادي والامني لمجتمع ما لا يخلو من حاجه ملحه –وفي نفس الوقت- من تنميه سياسيه واجتماعيه وثقافيه متوازيه حسب المفاهيم الجديده (الديموقراطيه) وذلك لان الظروف الفسيولوجيه–كما شرحت- ليست هي الجانب الوحيد في طبيعة الانسان: كما ان الانتخابات ليست الجانب الوحيد في طبيعه النظام الديموقراطي: واهمال الجوانب الاخري سيتسبب حتما في فجوه او في ازدواجية حريه كما شرحت وبشكل حاد

بعبارة اخري: التحول الي الديموقراطيه يستدعي اناس لديهم من المبادئ والمفاهيم الديموقراطيه ما هو واضح ومستقر وممارس: وفي نفس الوقت بعيد كل البعد عن السيكلوجية او الايدولوجيا المضاده التي تصنع عكس ما هو بصدده ومنها سيكولوجيا وايدولوجيا القائد العسكري او "الامام" او "المرشد" الذي يأمر فيطاع بلا سؤال او محاسبه

ازدواجية الحريه (4)

لم يعد يخالجني ادني شك ان ما يملكه هذا المجلس-بكامل تشكيله- من جهوزيه علميه ونفسيه وثقافيه وسياسيه لا يرقي لادارة ما تبقي من عملية نقل السلطه الي الشعب ناهيك عن الانتقال بالبلاد الي عمليه سياسيه ديموقراطيه

والحق انها ليست المره الاولي التي انكشفت لي فيها تلك النزعه لدي هذا المجلس باتجاه الانسلاخ عن الثوره والحكومه والشعب والدوله واعتبار انفسهم كيانا مستقلا مهيمنا فوق المسائله والمحاسبه ("مخرج امن"؟)

وقد حاولت مرارا وتكرارا خلال الايام والاسابيع والاشهر الماضيه ان امر بهذه الحقيقه دون ان اتذكر-بجزع-علامات كثيره توحي بمحاولات فصل غريب–وباصرار- بين الجيش والشعب وبين الشعب والثوره في كل حديث لهم مع الشعب-والجيش- بحيث اصبح علي احد الاطراف ان تبقي دوما علي مسافه من الطرف الاخر (خط احمر؟) كيلا يحدث الصدام او "الفتنه" او "المؤامره" او "الوقيعه"

وما سبق او اقترن او نتج عن هذا الوضع من انتهاكات حقوق انسان او صنع ائتلافات وميادين وتظاهرات تأييد ومرشحين رئاسه ثم التحريض والحشد باتجاه تكريس ايدولوجيات رجعيه تحت ستار وطني مستخدمين في ذلك كل ما تيسر من وسائل دعائيه وسيكولوجيه ولوجستيه مموله باموال الشعب بحيث كان المحور الرئيسي لها هو بعث عصبيات قديمه واعادتها الي الحياه كما لو كانت عملا اصيلا: الي جانب تدعيم مشاعر قلق واحباط متواصل من الثوره والثوار ونخبة السياسيين بايحاء ما غير مفهوم ان استمرار التظاهرات والاعتصامات في شارع او ميدان او حتي مدينه هو الذي يحبط "النجاح" (وهو ادعاء زائف طبعا اذ لم تكن الحكومه قد بدأت عمليا –وكما هو ظاهر-العمل بوجه عام -وعلي مستوي جميع الملفات- الا بعد شهور طويله من قيام الثوره)

وقد تصبح مهمة تحليل الموقف عبثيه دون الاشاره الي حالة الفوضي الدستوريه والقانونيه والثقافيه العارمه والتي دخلنا غمارها منذ اليوم الاول: وهي تضاف طبعا–وبجداره- الي حالة الفوضي الامنيه تلك التي تنامت وتعددت مظاهرها ما بين مظاهر قديمه عادت الي الظهور (مثل الاعتداءات علي دور العباده وعصابات السطو المسلح وتقاتل القبائل والعائلات والجيران الخ) او مظاهر جديده عرفناها لاول مره مثل الاعتداء علي السفارات وظهور اتجاهات شبه انفصاليه في انحاء من البلاد بحيث خرجت بنا كل محنه لنقع في اخري تكاد تشبهها بما جعل من ترتيب موجات المحن نفسه يتجاوز حدود المصادفات: من حيث ان كل عمل لم يكن مجرد عمل منعزل عن غيره بل له مسار مشترك او متواز يمضي معه: فيما كان الدافع الذي يحرك الناس للتظاهر او الاعتصام –في كل مره- لا يتجاوز الشكوي من اذي تعرضوا له او الاعتراض علي انتهاكات لحقوق او حريات او كرامه او من اجل التضامن مع شهداء ومصابين ومعتقلين وكلها قضايا عاجله ومشروعه ولا يستحق المطالب بها ان يضرب او يسحل او يعري او يعتقل او يعذب او يرجم بالرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز او يسحق تحت عجلات المركبات (ايا كانت اعتبارات استخدام القوه المفرطه: فافساح الطريق الي العمليه الانتخابيه او الي البرلمان ومجلس الوزراء لا يجب ان ينسينا ابدا اننا نتعامل مع بشر وان لهم حقوق وحريات وكرامه ومطالب مشروعه)

في الوقت الذي تخرج علينا فيه حكومه "بونوكيو" بعد كل مصيبه لتلقي باللوم علي "طرف ثالث" كما لو كانت لوحة مفاتيح في يد انسان عبث بها فجأه ودون ان تملك ارادة نهره او اثنائه عن عزمه

ولست قادر علي فهم كيف يمكن لبلطجي مندس خرج بغرض التخريب واثارة الشغب ان يفعل ذلك علنا امام كاميرات التليفزيون! واكثر من ذلك يختفي في كل مره بلا اثر لنري ما رايناه من اعترافات وشهادات عماله علي شاشة التليفزيون لاشخاص شوهوا من جراء التعذيب ورصوا كالاسري: والغريب ان هناك من اعطي لهذه الاعترافات مصداقيه وصفه قانونيه علي الرغم من انها جرت تحت وطأه التعذيب (وبمناسبة الاعترافات وكاميرات التليفزيون: هل من تشابه بين اعترافات التليفزيون المصري الرسمي وتليفزيون سوريا الرسمي؟)

وكيف يمكن التفرقه بين من خرج للتظاهر والاعتصام ومن خرج للتخريب؟ وهل هي يمكن ان نتحدث عن تمويل منظمات المجتمع المدني دون ان نتحدث عن تمويل الحكومه والجيش؟ ولماذا تلك الهجمه الشرسه علي منظمات حقوق الانسان بالذات وفي هذا التوقيت (اي بعد الانتهاكات)؟

وانا استغرب ما قيمة الحديث عن وطنيه وثوره اذا كان المسئولون-المفترض فيهم ان يكونوا قدوه - يخرجون علينا -في كل مره- بكل هذه الحلقات التي لا تنتهي من الاكاذيب والانكار والتحريف؟ (بما يجعل عملية الحوار نفسها غير ذات جدوي فعندما يصبح متعينا علي انسان ان يجادل بشأن صحة حقائق لا تحتمل الجدل او تحديد مفاهيم لا تحتمل التأويل فانه لا يكون في مقدوره ابدا ان يجد اللحظه التي تجلو له فيها جميع جوانب الموضوع ويتخذ رأيا كاملا حاسما في شأن من الشئون لانه متي حاول ذلك فالاغلب انه سيجد نفسه عاجزا)

وهل يمكن ان نصل ابدا–في اي وقت- اذا واصلنا المضي في هذا الطريق-الي عملية تغيير وتطوير؟ وهل يمكن تغيير وتطوير العمليه السياسيه دون عملية اصلاح مجتمعي وثقافي وبيئي شامل (بل وديني وتعليمي وتربوي)؟

بل واكثر من ذلك قد نجد انفسنا نسأل: هل يمكن ان نصل الي نقطه نعتبر فيها الجهل والشر والفشل والرداءه والقبح والفساد والكذب والكراهيه شيئا مقبولا كجزء لا يتجزأ من الهويه الوطنيه والشخصيه المصريه لا يمكن تعديله: او ان تكون الخروج علي مبادئ واهداف الثوره (الثوره المضاده؟) رأي اخر يجب احترامه والسماح به تحت ستار من الحريه وعلامه من علامات الديموقراطيه؟

بل وقد يصل الامر الي حد اتهام مرسل لسياسيين بعينهم انهم وراء الاحداث بسبب ما وصف بانه "خيبة املهم" في نتائج "الانتخابات" (ورأيي ان انتخابات يكون الدين والمال هو اللاعب الرئيسي فيها ليست "انتخابات سياسيه" وبذلك فانها تفتقد تلقائيا وظيفتها والمغزي المراد منها في نفس اللحظه التي افتقدت فيها مفهومها: ايا كانت درجة نزاهتها):

وبمناسبة الطرف الثالث: فالحكومه تعلم ولديها من الادله ان حادث اقتحام –وتخريب- دور العباده كان متعمدا وتعلم من قاموا به ومع ذلك تركتهم –والي اليوم-دون عقاب: وتعلم ان حادث استشهاد الجنود المصريين في سيناء رغم جسامته تم في اطار تحركات شبه مشتركه مع القوات الاسرائيليه للسيطره علي الحدود (والا تفاقم الوضع الي حد الانفصال في قبضة احتلال جديد: نتيجة تقصير المجلس في تأمين الحدود؟)

وانصح المتابع الكريم قبل ان يشطح به الخيال فيحسد ذلك الشاب الذي قام بهدم الجدار الاستفزازي العجيب -شبيه جدار الفصل العنصري- واقتحم السفاره لانه نال من التكريم ما لم يحصل عليه احد مصابي الثوره: ان يبحث عنه بين متظاهري العباسيه !

واخيرا: هل رأي احد الجنود الذين كانوا متمركزين علي اسطح البنايات وعلي سطح المجمع العلمي بالتحديد يلقون علي المتظاهرين كل ما تصل اليه ايديهم؟ من هؤلاء؟ وكيف لم نسمع ان احدا استدعاهم للتحقيق ؟

ولكن: من هي مصر الذي يخشي البعض ان تسقط: المنشات ام الشعب؟ الشعب ام قامعه؟ ارباب المعاشات الذين رضوا واستسلموا تماما لتوطن الفساد ام الشباب الطاهر الشريف الذي يطمح الي تغيير بلده وتطويرها وتنظيفها؟ الخرف الهرم الذي ارسل الجنود ام الشاب الذي اضاع كرته واراد ان يستردها؟ عضو البرلمان ورئيس الوزراء الذي يريد كل منهما الدخول –وبسرعه- الي مقر عمله (وهو خصم في هذه الحاله وليس حكما لانه ولج فوق جثث اناس يرفضونه) ام الشهيد او المصاب الذي مات او اصيب في سبيل مبادئ امن بها كل الايمان لها علاقه بصنع مستقبل افضل لوطنه ؟

من المسئول؟ من المكلف بالاستماع الي الناس وتحقيق امانيهم ومطالبهم البسيطه المشروعه: او انماء قيم الخير والعدل والجمال والشجاعه والوطنيه في نفوس النشئ الصغير والحفاظ عليها؟ او تغيير اوجه الاستبداد والفساد والتعصب والكراهيه ؟

وهل تتوقع حكومه يطلق جيشها وشرطتها الرصاص الحي علي الشعب في الشارع (وتهدد بتكرار ذلك) او تسحقه تحت عجلات المركبات العسكريه الا يصاب الثوار بالغضب والاهانه او تراودهم فكرة الانتقام؟ واذا كان المقصود هو الترهيب والتخويف: اي انسان تصنعه الدوله وما الذي يمكن ان تتوقعه من مجتمع جبان؟

ان هذا النوع من المجتمعات لن يكون قادرا حتي علي صنع جنود القمع التي يستخدمها الفاشي الفاسد تلك التي تحميه (مع ملاحظة اننا نتحدث عن جنود مدربين علي القتال الميداني ذهبوا للفتك بصبي صغير-حسب الروايه- فقد كرته داخل الفناء "المقدس" لانه ذهب ليجدها! انه نفس الشاب-وغيره-حسب الروايه-الذي قضي اياما–بل اسابيع- في اعتصامه امام المبني دون ان تمتد يده اليه بسوء: بمعني انه لم يكن ابدا بلطجيا فوضويا او متشردا او مخربا او مأجورا)

ورأيي ان الحكومه التي تخرج علي الملء لتتحدث عن مباراه كره وكره مفقوده الخ لتبرر استخدام القوه الغاشمه مختصره مشاكل مصر كلها في الثوار والسياسيين المعارضين وفي ميدان التحرير وفي هذا الشارع او هذا المبني بل واكثر من ذلك تحاول تحديد من هم الثوار ومن هم البلطجيه واعمارهم وهيئتهم (كما لو كانت تحدد معارضيها!) فلا تكون قادره علي اقناع الناس بها بالوسائل السياسيه والدبلوماسيه السلميه هي حكومه فشلت في اول اختبار لها (اختبار القبول) بما يضع كل ما يقال عن صلاحيات محل تساؤل: وعلي اية حال-وبالاصاله عن نفسي- انا لا احترم اي مسئول يدخل مكتبه علي جثث الشعب ايا كان تاريخه ومؤهلاته وما يعد بالقيام به وايا كانت النتائج

وفي هذا المجال استغرب كثيرا من يخرج علينا ليتحدث عن قدرات او خبرات سياسيه لدي العسكر (حاليون او سابقون) او ان يخرج اخر ليتساءل عمن يمكنه ان يكون بديلا للمجلس العسكري (كما ان اي انسان يمكن ان يكون بديلا لاي انسان فشل في مهمته؟)

او ان يروج ثالث لادعاء انه لولا الجيش لما وجدت الثوره من يحميها: وهل كانت الثورة في حاجه الي حمايه؟ وممن؟ فاذا كان الجيش –وكما شهد وزير الدفاع نفسه- لم يتلق اوامر باطلاق النار علي المتظاهرين ومنذ البدايه فما هو مصدر التهديد؟ وهل تبرر تلك الحمايه ان ينفرد العسكر بالرأي والسلطه وينصبوا انفسهم اندادا ينازعون الثوار والسياسيين المدنيين معارفهم ويقيمون مهاراتهم وخبراتهم ويحكمون عليها بل ويتهمونهم بالعماله ويحاولون تصفيتهم؟

والحق ان المنطق يمثل اهانه بالغه للشعب المصري وهو بالضبط ما كان يقال-وبصوره مستمره- اثناء حكم الرئيس المخلوع الي ان قامت الثوره: كما انه ليس من وظيفة العسكر التي يتقاضون عنها اجرا ان يكتسب اي منهم قدرات–وخبرات- سياسيه (وفي هذه المرحله بالذات) والا كان كل حديث لهم عن نقل السلطه الي الشعب او الانتقال به الي الديموقراطيه هو بمثابة "روث ابل" من قبيل الاستهزاء لا ينبغي الالتفات اليه

كما ان هذا دليلا في حد ذاته علي انهم خالفوا القانون: اذ لا يمكن لاية جهه حكوميه- ايا كانت-ان يكون في مقدورها اكتساب قدرات وخبرات تتجاوز حدود مهامها الاصليه دون ان يتوافر لديها عاملين اساسيين: الوقت والتمويل: بمعني اننا اذا ما وافقنا علي ان العسكر (حاليين او سابقين) يمتلكون من القدرات او الخبرات ما يتجاوز ما هو عسكري منها فان معني هذا انهم–في سبيل اكتسابهم لهذه الخبرات او القدرات- انفقوا او قضوا وقتا مدفوع الاجر فيما لا يخص مهامهم ودون اعتراض منهم: بصرف النظر عن طبيعة تلك القدرات والخبرات او كونها فذه او عاديه (ومع ذلك لا يمكن ان نحكم علي قدرات عسكريه لهؤلاء في ظل عدم وجود اختبار حقيقي لها: ومنذ عقود: اذا استثنينا طبعا المواجهات الداميه مع الثوار في ميدان التحرير)

وفي حالة اذا ما كنا نتحدث عن نظام استبدادي قام اساسا علي الفساد واناس يملكون من الوقاحه ما يكفي لكي يعلنوا عن ترشحهم للرئاسه وقد كانوا الي وقت قريب خدام امناء للدكتاتوريه الي حد ان الرئيس المخلوع لجأ اليهم وحصل علي ثقتهم وقت محنته: اي وقت قيام الثوره: واذا كنا نتحدث عن انتهاكات ضد الثوره والثوار حدثت بصوره اساسيه-ومازالت- اثناء وجودهم في السلطه: فنحن اذن نتحدث عن قدرات وخبرات لسنا بحاجة اليها (خبرات في السرقه والاستبداد؟)

ولا اعلم كيف يمكن محاكمة الرئيس المخلوع ووزير داخليته دون ان يوضع الي جوارهما  في قفص الاتهام نائبه ورئيس وزرائه ووزير دفاعه ؟

وازعم اننا كان من الممكن ان نتدارك كل هذا مبكرا ونمنع ظهوره او نتجنب تفاقمه لو اننا: (1) استفدنا من شرعية الثوره واعتراف العالم بها علي طريق ارساء قواعد دوله مدنيه ديموقراطيه وبمنتهي السرعه والتركيز وحسب اسس وخطوات علميه وقانونيه ودستوريه سليمه وجدول زمني دقيق ومفصل: (2) تفرغ العسكر لعملهم واعادوا–الي جوار ذلك- بناء–وتدريب- جهاز امني وعسكري (شرطه وجيش) حسب المقاييس الديموقراطيه وبعقيده وطنيه جديده وتركوا السياسه للسياسيين ومحاكمات المجرمين للقضاء بالضبط كما حدث في تونس الحبيبه (تلك المحاكمات التي صارت تنطوي–كما ذكرت-علي اشياء اقل ما يمكن وصفها به انها تثير في النفس حموضه وقرف حقيقي سواء في نسختها السريه او العلنيه): (3) استفدنا من حماس وطهر الثوار في مواقع المسئوليه واستفدنا من خبرات الانتقال الي الديموقراطيه لدي الاصدقاء

فما من ثوره دون شرعيه ثوريه وحكومه من الثوار او دون مسار واضح لعداله انتقاليه يتم من خلاله استعادة الاموال المنهوبه وقصاص عادل سريع من القتله واللصوص (وعداله اجتماعيه؟)

وما من تغيير ثوري يتم بالقطاره او حسب اعداد المتظاهرين او وفقا لقواعد الروتين الحكومي واحكام القضاء:

ولمن لا يزال يتحدث عن شرعيه: ما من شرعيه اسمها شرعية تنظيم استفتاءات وانتخابات وما من شرعية اسمها شرعية حماية الشرعيه (القصر الجمهوري؟) او شرعية استقبال الوفود والاجابه علي المكالمات الدوليه:

وما من شرعية اسمها شرعية الامر الواقع او شرعية الاعلان الدستوري (هو للمره المائه باطل وغير دستوري ولا قيمة له ومن السهل لرجل الشارع العادي–ولا اقول القانوني المتخصص- الطعن فيه وابطاله وبالتالي الغاء كل ما ترتب عليه لنعود مرة اخري -وفي اي وقت- الي نقطة البدايه)

ورأيي ان الحفاظ علي صورة الجيش في وجدان الشعب هو امر -وان جاء متأخر بعض الشئ- لا بديل عنه: غير ان ذلك لن يتم  بالكذب والخداع والانكار والمناوره والمغالطات والتملص والتعميه: كما لن يتم بدستور يمنح دور للجيش يزيد عن وضعه القانوني والدستوري المعروف في دساتير العالم الحر او مهام تزيد عن مهامه العسكريه او حصانه لافراده من المحاسبه وبأي قدر: ولن يتم بان يحرم الشعب-علي الجانب الاخر- من التدخل في شئون جيشه ومعرفة كل شئ عنه: كما لو كنا امام عوره: وليست المسأله ان لدينا هيئه هي بطبيعتها جزء لا يتجزأ من الحكومه (كما ان الحكومه جزء من الدوله) بحبث تتبع هذه الهيئه- كما في جميع دول العالم -رئيس الحكومه -وتأتمر بأمره- بنفس قدر خضوعها للقانون ومراقبة البرلمان (والحق ان الامر ليس له علاقه بأية عوره: اذ انه من المستطاع اليوم لاي باحث مبتدئ ان يطلع- ودون حاجه لاستنباط قانون رياضي جديد لتفسير هذه الظاهره او تلك- علي كل ما يخص الجيش المصري من حيث العدد والعتاد ونوع التسليح –والتدريب- وحجمه والمنح والصفقات الجديده والقديمه ومواعيد التسليم والميزانيه وطريقة توزيعها وحجم الانفاق وشكله والارباح المترتبه عليه الخ: سواء بالنسبه للجيش الحالي او منذ نشأة الجيش المصري الحديث منذ قرنين من الزمان: وليس من شك اننا ندين بالفضل في ذلك–فضل كشف العورات- لنمو وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثه وتطورها)

بل سيعود الجيش الي وجدان الشعب حين يعود الي موقعه ليخدم بلده من خلال واجباته الاصليه كالاستعداد القتالي والتدريب (لقتال غير المصريين طبعا) وتطوير التسلح وحماية الحدود ناهيك عن توفير درجه من درجات الامن بصوره عاجله وفعاله (الي ان تعود الشرطه بكامل طاقتها للعمل وبعقيده جديده): وهي كلها مهام –بالمناسبه-ليست بالشئ الهين ولا تتيح الفرصه لمن يؤديها حق ادائها بان يفعل شئ اخر غيرها: والا فان اي مهام اخري ان لم تعطله عن اداء وظيفته ستصيبه حتما بالتراخي وعدم الجهوزيه

واري من الناحيه الاستراتيجيه ان اي امتيازات للجيش ليست في صالح الجيش: بالضبط كما انها ليست في صالح الشعب: فجيش نظامي حديث وقوي-وان كان صغير الحجم- يصبح اكثر فعاليه من جيش منتفخ مترهل مشغول بالكامل بمشروعات مدنيه (سواء مشروعات بنيه اساسيه او اقتصاديه او ترفيهيه او غيرها)

كما اري انه ليس من مصلحة الجيش-او مصلحة الوطن- ان يبقي الجيش خارج منظومة السؤال والمحاسبه:

واعتقد ان التأخر عن محاسبة الجميع بما في ذلك اعضاء المجلس العسكري حسابا عاجلا ووافيا سيكون امرا لا مبرر له علي الاطلاق وليس مقبولا لا من الناحيه الديموقراطيه ولا حتي علي مستوي الكرامه الانسانيه اذ سيكون السماح بانتهاكات دون قصاص عادل سابقه خطيره وتفريط اي تفريط في حق هذا الشعب لن تغفره لنا الاجيال القادمه: والحساب لابد وان يشمل –في رأيي-الي جوار الانتهاكات (سواء في موقعة الجمل او ماسبيرو او ميدان التحرير او غيرها) طريقة الاداء في الفتره السابقه بما في ذلك ما يخص ادارة القوات المسلحه

وهو شئ سيحدث لا محاله عاجلا ام اجلا

وبوجه عام: لا يحاول التهرب من الحساب الا من هو اثم: وكذلك لا يعينه علي ذلك الا من هو اثم مثله وفي نيته ان يفعل ما فعل

وكما قال رئيس الوزراء السابق: لا شئ مقدس: حسنا: ولا حتي المجلس!

اذ لن تصبح طريقة "غمه وتزول" او "كل وقت وله اذان" مقبوله ابدا في نظام به تعدديه سياسيه وانتقال حر للسلطه (سيحدث شاء من شاء وابي من ابي ايا كانت التضحيات)

ولقد جربنا هذا الاسلوب مرارا مع الرئيس المخلوع الي ان جربه هو معنا مما قادنا اخيرا الي الثوره: فالجميع في النهايه مصيرهم الي الحساب طال الزمن او قصر: والانسان "متوسط الذكاء" الذي يحاول الهروب اليوم لن يعفيه ذلك غدا (ولا اعتقد ان الشعب التونسي او الليبي او السوري الكريم اكثر حرصا علي استرداد حقوقه وحرياته والقصاص لشهدائه ومصابيه او اكثر غيرة علي كرامة واعراض مواطنيه-خصوصا النساء منهم- من الشعب المصري)

وسواء شئنا ام ابينا: رجال ونساء الثوره ومنظمات المجتمع المدني والاعلام الحر هم الذين يصنعون اليوم 80 % علي الاقل من الرأي العام والنسبه ترتفع: والغالبيه العظمي منهم مواطنون متعلمين مثقفين من الطبقه الوسطي والادني ممن يحبون بلدهم بشغف وينشدون له مستقبل مثمر: ومحاربتهم وتلويث سمعتهم -اضافه الي انه علامة عجز- هو الثوره المضاده ماثله للعيان وبلا ساتر يسترها

والمعني الوحيد –في رأيي-لعدم وجود ارادة تغيير او محاسبة هو ان الثوره المضاده-اضافه الي التجاوزات والانتهاكات- مازالت تصدر اوامرها من عل:

ويخطئ خطئا استراتيجيا من يستمر في التعامل مع الثوره باعتبارها ثورة ملبس وبونبون او ثورة رغيف خبز: او يستهين بالقدرات الكامنه لدي شعب مصر ويضع حب الشباب الطاهر لوطنهم موضع تساؤل او مزايده (كما لو كانت الوطنيه قاصره علي فرد او وظيفه او مؤسسه او كما لو كانت مصر تستورد وطنيين من الخارج) فمحبة اي شعب لوطنه شئ يستحق ان تفتخر به كل حكومه مخلصه حريصه علي مستقبل البلاد: ثم يخطئ مرة اخري من ينخدع بمثالية القوه ويظن انه فوق الحساب والعقاب

والحقيقه ان المشكله لن تنتهي بحيث سيكون هناك دائما موجه جديده لغضب الشعب طالما بقيت المشكلات دون حل وطالما بقي كل فاشي فاسد في موقعه بعيدا عن المحاسبه

لذا فعندما يتحدث البعض عن الانتخابات بصفتها العلامه الفارقه واول خطوه لتحقيق اهداف الثوره وما الي ذلك-دون محاسبات حقيقيه- فانا اضع كل ما يقولون في الثلاجة

اذ لا اتصور ديموقراطيه دون مكاشفه ومصارحه ومراجعه شامله واعتراف بالاخطاء والمشكلات

ولا اتصور ديموقراطيه دون تطهير كامل للمؤسسات: "جميع" المؤسسات بلا استثناء (سواء مؤسسات الحكومه او الدوله) واعادة بنائها وتخليص الفاسد منها من ارث الفساد

ولا اتصور ديموقراطيه دون استعادة الاموال المنهوبه ودون عملية تغيير وتطوير شامل في القيم والمشاعر والافكار والقوانين والسياسات: وعلي جميع المستويات: افراد وجماعات ومؤسسات بحيث بقوم كل بما يتقنه علي الوجه الاكمل والسرعه الواجبه (ودون ان يقحم نفسه فيما يخص الاخرين)

ولا اتصور ديموقراطيه في ظل عدم وجود استراتيجيه عامه للدوله -والحكومه- او عدم وجود خطط وبرامج وجداول زمنيه محدده ومعلنه بحيث تساهم في النهايه في تحقيق الاهداف

ولا اتصور ديموقراطيه فيما يحاول كل طرف الدفاع عن مصالح فئويه او ايدولوجيه (مفترضه) تخصه ويحاول استخراجها من دماء الشعب او من ارث السلطه الساقطه (البقره الحلوب؟) باي ثمن وخارج السياق العام كما لو ان البلاد بكاملها قد تقزمت في هذه الجماعه او المؤسسه (مع ملاحظة ان التجرد من الامتيازات الدخيله او غير القانونيه ليس اطلاقا تنازلا او تضحيه من طرف وانما بمثابة اعادة الامور الي نصابها)

واخيرا لا اتصورها الا في وجود جيل جديد من نتاج الحركه الوطنيه يدرك ثقافة العصر ويشارك في صنع القرار السياسي (اي دون ان تقتصر مساهماته علي مجرد الاستشاره)

واعلم ما يراود البعض من مخاوف ولكن ليس البديل ابدا ان نمضي الي طريق علي امل ان يقودنا وحده-ودون اراده حيه حره- الي تطهر كامل من اثام الماضي

فحتي اذا ما نجح الرئيس المنتخب وحكومته السوبر في تحقيق كامل "اهداف الحكومه" من امن واقتصاد وتعليم وصحه وثقافه وبيئه الخ بهدف عبور امن للمرحله الانتقاليه: من الذي سيضمن تحقيق اهداف الثوره ؟  

ورأيي انه لا يمكن الاعتماد ابدا علي فرضية ان الرئيس والبرلمان المنتخبان سيكون لديهما–وحدهما- من العزم والوقت والشجاعه والفكر والصبر والكفاءه العلميه والوعي والشعبيه والوطنيه وحسن التصرف ما يكفي لوضع قواعد دوله مدنيه ونظام ديموقراطي كل ذلك الي جوار قيادة الحكومه الي اهدافها

فالمفاجأه هي ان البرلمان القادم سوف يكون منشغلا الي اذنيه بمعاركه مع الحكومه (ناهيك عن معاركه الداخليه) ولن تحقق الحكومه في ظل ذلك الصراع الا قدرا قليلا فقط من اهدافها (ومره اخري لا اتحدث عن اهداف الثوره او الدوله): وستكون النتيجه ان اهداف اساسيه ستستبدل باخري فرعيه فيما ستتحول اهداف فرعيه الي اهداف مؤجله وهكذا حتي تتغير الحكومه او البرلمان او تقوم ثوره جديده