الأربعاء، 11 يناير 2012

ازدواجية الحريه (4)

لم يعد يخالجني ادني شك ان ما يملكه هذا المجلس-بكامل تشكيله- من جهوزيه علميه ونفسيه وثقافيه وسياسيه لا يرقي لادارة ما تبقي من عملية نقل السلطه الي الشعب ناهيك عن الانتقال بالبلاد الي عمليه سياسيه ديموقراطيه

والحق انها ليست المره الاولي التي انكشفت لي فيها تلك النزعه لدي هذا المجلس باتجاه الانسلاخ عن الثوره والحكومه والشعب والدوله واعتبار انفسهم كيانا مستقلا مهيمنا فوق المسائله والمحاسبه ("مخرج امن"؟)

وقد حاولت مرارا وتكرارا خلال الايام والاسابيع والاشهر الماضيه ان امر بهذه الحقيقه دون ان اتذكر-بجزع-علامات كثيره توحي بمحاولات فصل غريب–وباصرار- بين الجيش والشعب وبين الشعب والثوره في كل حديث لهم مع الشعب-والجيش- بحيث اصبح علي احد الاطراف ان تبقي دوما علي مسافه من الطرف الاخر (خط احمر؟) كيلا يحدث الصدام او "الفتنه" او "المؤامره" او "الوقيعه"

وما سبق او اقترن او نتج عن هذا الوضع من انتهاكات حقوق انسان او صنع ائتلافات وميادين وتظاهرات تأييد ومرشحين رئاسه ثم التحريض والحشد باتجاه تكريس ايدولوجيات رجعيه تحت ستار وطني مستخدمين في ذلك كل ما تيسر من وسائل دعائيه وسيكولوجيه ولوجستيه مموله باموال الشعب بحيث كان المحور الرئيسي لها هو بعث عصبيات قديمه واعادتها الي الحياه كما لو كانت عملا اصيلا: الي جانب تدعيم مشاعر قلق واحباط متواصل من الثوره والثوار ونخبة السياسيين بايحاء ما غير مفهوم ان استمرار التظاهرات والاعتصامات في شارع او ميدان او حتي مدينه هو الذي يحبط "النجاح" (وهو ادعاء زائف طبعا اذ لم تكن الحكومه قد بدأت عمليا –وكما هو ظاهر-العمل بوجه عام -وعلي مستوي جميع الملفات- الا بعد شهور طويله من قيام الثوره)

وقد تصبح مهمة تحليل الموقف عبثيه دون الاشاره الي حالة الفوضي الدستوريه والقانونيه والثقافيه العارمه والتي دخلنا غمارها منذ اليوم الاول: وهي تضاف طبعا–وبجداره- الي حالة الفوضي الامنيه تلك التي تنامت وتعددت مظاهرها ما بين مظاهر قديمه عادت الي الظهور (مثل الاعتداءات علي دور العباده وعصابات السطو المسلح وتقاتل القبائل والعائلات والجيران الخ) او مظاهر جديده عرفناها لاول مره مثل الاعتداء علي السفارات وظهور اتجاهات شبه انفصاليه في انحاء من البلاد بحيث خرجت بنا كل محنه لنقع في اخري تكاد تشبهها بما جعل من ترتيب موجات المحن نفسه يتجاوز حدود المصادفات: من حيث ان كل عمل لم يكن مجرد عمل منعزل عن غيره بل له مسار مشترك او متواز يمضي معه: فيما كان الدافع الذي يحرك الناس للتظاهر او الاعتصام –في كل مره- لا يتجاوز الشكوي من اذي تعرضوا له او الاعتراض علي انتهاكات لحقوق او حريات او كرامه او من اجل التضامن مع شهداء ومصابين ومعتقلين وكلها قضايا عاجله ومشروعه ولا يستحق المطالب بها ان يضرب او يسحل او يعري او يعتقل او يعذب او يرجم بالرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز او يسحق تحت عجلات المركبات (ايا كانت اعتبارات استخدام القوه المفرطه: فافساح الطريق الي العمليه الانتخابيه او الي البرلمان ومجلس الوزراء لا يجب ان ينسينا ابدا اننا نتعامل مع بشر وان لهم حقوق وحريات وكرامه ومطالب مشروعه)

في الوقت الذي تخرج علينا فيه حكومه "بونوكيو" بعد كل مصيبه لتلقي باللوم علي "طرف ثالث" كما لو كانت لوحة مفاتيح في يد انسان عبث بها فجأه ودون ان تملك ارادة نهره او اثنائه عن عزمه

ولست قادر علي فهم كيف يمكن لبلطجي مندس خرج بغرض التخريب واثارة الشغب ان يفعل ذلك علنا امام كاميرات التليفزيون! واكثر من ذلك يختفي في كل مره بلا اثر لنري ما رايناه من اعترافات وشهادات عماله علي شاشة التليفزيون لاشخاص شوهوا من جراء التعذيب ورصوا كالاسري: والغريب ان هناك من اعطي لهذه الاعترافات مصداقيه وصفه قانونيه علي الرغم من انها جرت تحت وطأه التعذيب (وبمناسبة الاعترافات وكاميرات التليفزيون: هل من تشابه بين اعترافات التليفزيون المصري الرسمي وتليفزيون سوريا الرسمي؟)

وكيف يمكن التفرقه بين من خرج للتظاهر والاعتصام ومن خرج للتخريب؟ وهل هي يمكن ان نتحدث عن تمويل منظمات المجتمع المدني دون ان نتحدث عن تمويل الحكومه والجيش؟ ولماذا تلك الهجمه الشرسه علي منظمات حقوق الانسان بالذات وفي هذا التوقيت (اي بعد الانتهاكات)؟

وانا استغرب ما قيمة الحديث عن وطنيه وثوره اذا كان المسئولون-المفترض فيهم ان يكونوا قدوه - يخرجون علينا -في كل مره- بكل هذه الحلقات التي لا تنتهي من الاكاذيب والانكار والتحريف؟ (بما يجعل عملية الحوار نفسها غير ذات جدوي فعندما يصبح متعينا علي انسان ان يجادل بشأن صحة حقائق لا تحتمل الجدل او تحديد مفاهيم لا تحتمل التأويل فانه لا يكون في مقدوره ابدا ان يجد اللحظه التي تجلو له فيها جميع جوانب الموضوع ويتخذ رأيا كاملا حاسما في شأن من الشئون لانه متي حاول ذلك فالاغلب انه سيجد نفسه عاجزا)

وهل يمكن ان نصل ابدا–في اي وقت- اذا واصلنا المضي في هذا الطريق-الي عملية تغيير وتطوير؟ وهل يمكن تغيير وتطوير العمليه السياسيه دون عملية اصلاح مجتمعي وثقافي وبيئي شامل (بل وديني وتعليمي وتربوي)؟

بل واكثر من ذلك قد نجد انفسنا نسأل: هل يمكن ان نصل الي نقطه نعتبر فيها الجهل والشر والفشل والرداءه والقبح والفساد والكذب والكراهيه شيئا مقبولا كجزء لا يتجزأ من الهويه الوطنيه والشخصيه المصريه لا يمكن تعديله: او ان تكون الخروج علي مبادئ واهداف الثوره (الثوره المضاده؟) رأي اخر يجب احترامه والسماح به تحت ستار من الحريه وعلامه من علامات الديموقراطيه؟

بل وقد يصل الامر الي حد اتهام مرسل لسياسيين بعينهم انهم وراء الاحداث بسبب ما وصف بانه "خيبة املهم" في نتائج "الانتخابات" (ورأيي ان انتخابات يكون الدين والمال هو اللاعب الرئيسي فيها ليست "انتخابات سياسيه" وبذلك فانها تفتقد تلقائيا وظيفتها والمغزي المراد منها في نفس اللحظه التي افتقدت فيها مفهومها: ايا كانت درجة نزاهتها):

وبمناسبة الطرف الثالث: فالحكومه تعلم ولديها من الادله ان حادث اقتحام –وتخريب- دور العباده كان متعمدا وتعلم من قاموا به ومع ذلك تركتهم –والي اليوم-دون عقاب: وتعلم ان حادث استشهاد الجنود المصريين في سيناء رغم جسامته تم في اطار تحركات شبه مشتركه مع القوات الاسرائيليه للسيطره علي الحدود (والا تفاقم الوضع الي حد الانفصال في قبضة احتلال جديد: نتيجة تقصير المجلس في تأمين الحدود؟)

وانصح المتابع الكريم قبل ان يشطح به الخيال فيحسد ذلك الشاب الذي قام بهدم الجدار الاستفزازي العجيب -شبيه جدار الفصل العنصري- واقتحم السفاره لانه نال من التكريم ما لم يحصل عليه احد مصابي الثوره: ان يبحث عنه بين متظاهري العباسيه !

واخيرا: هل رأي احد الجنود الذين كانوا متمركزين علي اسطح البنايات وعلي سطح المجمع العلمي بالتحديد يلقون علي المتظاهرين كل ما تصل اليه ايديهم؟ من هؤلاء؟ وكيف لم نسمع ان احدا استدعاهم للتحقيق ؟

ولكن: من هي مصر الذي يخشي البعض ان تسقط: المنشات ام الشعب؟ الشعب ام قامعه؟ ارباب المعاشات الذين رضوا واستسلموا تماما لتوطن الفساد ام الشباب الطاهر الشريف الذي يطمح الي تغيير بلده وتطويرها وتنظيفها؟ الخرف الهرم الذي ارسل الجنود ام الشاب الذي اضاع كرته واراد ان يستردها؟ عضو البرلمان ورئيس الوزراء الذي يريد كل منهما الدخول –وبسرعه- الي مقر عمله (وهو خصم في هذه الحاله وليس حكما لانه ولج فوق جثث اناس يرفضونه) ام الشهيد او المصاب الذي مات او اصيب في سبيل مبادئ امن بها كل الايمان لها علاقه بصنع مستقبل افضل لوطنه ؟

من المسئول؟ من المكلف بالاستماع الي الناس وتحقيق امانيهم ومطالبهم البسيطه المشروعه: او انماء قيم الخير والعدل والجمال والشجاعه والوطنيه في نفوس النشئ الصغير والحفاظ عليها؟ او تغيير اوجه الاستبداد والفساد والتعصب والكراهيه ؟

وهل تتوقع حكومه يطلق جيشها وشرطتها الرصاص الحي علي الشعب في الشارع (وتهدد بتكرار ذلك) او تسحقه تحت عجلات المركبات العسكريه الا يصاب الثوار بالغضب والاهانه او تراودهم فكرة الانتقام؟ واذا كان المقصود هو الترهيب والتخويف: اي انسان تصنعه الدوله وما الذي يمكن ان تتوقعه من مجتمع جبان؟

ان هذا النوع من المجتمعات لن يكون قادرا حتي علي صنع جنود القمع التي يستخدمها الفاشي الفاسد تلك التي تحميه (مع ملاحظة اننا نتحدث عن جنود مدربين علي القتال الميداني ذهبوا للفتك بصبي صغير-حسب الروايه- فقد كرته داخل الفناء "المقدس" لانه ذهب ليجدها! انه نفس الشاب-وغيره-حسب الروايه-الذي قضي اياما–بل اسابيع- في اعتصامه امام المبني دون ان تمتد يده اليه بسوء: بمعني انه لم يكن ابدا بلطجيا فوضويا او متشردا او مخربا او مأجورا)

ورأيي ان الحكومه التي تخرج علي الملء لتتحدث عن مباراه كره وكره مفقوده الخ لتبرر استخدام القوه الغاشمه مختصره مشاكل مصر كلها في الثوار والسياسيين المعارضين وفي ميدان التحرير وفي هذا الشارع او هذا المبني بل واكثر من ذلك تحاول تحديد من هم الثوار ومن هم البلطجيه واعمارهم وهيئتهم (كما لو كانت تحدد معارضيها!) فلا تكون قادره علي اقناع الناس بها بالوسائل السياسيه والدبلوماسيه السلميه هي حكومه فشلت في اول اختبار لها (اختبار القبول) بما يضع كل ما يقال عن صلاحيات محل تساؤل: وعلي اية حال-وبالاصاله عن نفسي- انا لا احترم اي مسئول يدخل مكتبه علي جثث الشعب ايا كان تاريخه ومؤهلاته وما يعد بالقيام به وايا كانت النتائج

وفي هذا المجال استغرب كثيرا من يخرج علينا ليتحدث عن قدرات او خبرات سياسيه لدي العسكر (حاليون او سابقون) او ان يخرج اخر ليتساءل عمن يمكنه ان يكون بديلا للمجلس العسكري (كما ان اي انسان يمكن ان يكون بديلا لاي انسان فشل في مهمته؟)

او ان يروج ثالث لادعاء انه لولا الجيش لما وجدت الثوره من يحميها: وهل كانت الثورة في حاجه الي حمايه؟ وممن؟ فاذا كان الجيش –وكما شهد وزير الدفاع نفسه- لم يتلق اوامر باطلاق النار علي المتظاهرين ومنذ البدايه فما هو مصدر التهديد؟ وهل تبرر تلك الحمايه ان ينفرد العسكر بالرأي والسلطه وينصبوا انفسهم اندادا ينازعون الثوار والسياسيين المدنيين معارفهم ويقيمون مهاراتهم وخبراتهم ويحكمون عليها بل ويتهمونهم بالعماله ويحاولون تصفيتهم؟

والحق ان المنطق يمثل اهانه بالغه للشعب المصري وهو بالضبط ما كان يقال-وبصوره مستمره- اثناء حكم الرئيس المخلوع الي ان قامت الثوره: كما انه ليس من وظيفة العسكر التي يتقاضون عنها اجرا ان يكتسب اي منهم قدرات–وخبرات- سياسيه (وفي هذه المرحله بالذات) والا كان كل حديث لهم عن نقل السلطه الي الشعب او الانتقال به الي الديموقراطيه هو بمثابة "روث ابل" من قبيل الاستهزاء لا ينبغي الالتفات اليه

كما ان هذا دليلا في حد ذاته علي انهم خالفوا القانون: اذ لا يمكن لاية جهه حكوميه- ايا كانت-ان يكون في مقدورها اكتساب قدرات وخبرات تتجاوز حدود مهامها الاصليه دون ان يتوافر لديها عاملين اساسيين: الوقت والتمويل: بمعني اننا اذا ما وافقنا علي ان العسكر (حاليين او سابقين) يمتلكون من القدرات او الخبرات ما يتجاوز ما هو عسكري منها فان معني هذا انهم–في سبيل اكتسابهم لهذه الخبرات او القدرات- انفقوا او قضوا وقتا مدفوع الاجر فيما لا يخص مهامهم ودون اعتراض منهم: بصرف النظر عن طبيعة تلك القدرات والخبرات او كونها فذه او عاديه (ومع ذلك لا يمكن ان نحكم علي قدرات عسكريه لهؤلاء في ظل عدم وجود اختبار حقيقي لها: ومنذ عقود: اذا استثنينا طبعا المواجهات الداميه مع الثوار في ميدان التحرير)

وفي حالة اذا ما كنا نتحدث عن نظام استبدادي قام اساسا علي الفساد واناس يملكون من الوقاحه ما يكفي لكي يعلنوا عن ترشحهم للرئاسه وقد كانوا الي وقت قريب خدام امناء للدكتاتوريه الي حد ان الرئيس المخلوع لجأ اليهم وحصل علي ثقتهم وقت محنته: اي وقت قيام الثوره: واذا كنا نتحدث عن انتهاكات ضد الثوره والثوار حدثت بصوره اساسيه-ومازالت- اثناء وجودهم في السلطه: فنحن اذن نتحدث عن قدرات وخبرات لسنا بحاجة اليها (خبرات في السرقه والاستبداد؟)

ولا اعلم كيف يمكن محاكمة الرئيس المخلوع ووزير داخليته دون ان يوضع الي جوارهما  في قفص الاتهام نائبه ورئيس وزرائه ووزير دفاعه ؟

وازعم اننا كان من الممكن ان نتدارك كل هذا مبكرا ونمنع ظهوره او نتجنب تفاقمه لو اننا: (1) استفدنا من شرعية الثوره واعتراف العالم بها علي طريق ارساء قواعد دوله مدنيه ديموقراطيه وبمنتهي السرعه والتركيز وحسب اسس وخطوات علميه وقانونيه ودستوريه سليمه وجدول زمني دقيق ومفصل: (2) تفرغ العسكر لعملهم واعادوا–الي جوار ذلك- بناء–وتدريب- جهاز امني وعسكري (شرطه وجيش) حسب المقاييس الديموقراطيه وبعقيده وطنيه جديده وتركوا السياسه للسياسيين ومحاكمات المجرمين للقضاء بالضبط كما حدث في تونس الحبيبه (تلك المحاكمات التي صارت تنطوي–كما ذكرت-علي اشياء اقل ما يمكن وصفها به انها تثير في النفس حموضه وقرف حقيقي سواء في نسختها السريه او العلنيه): (3) استفدنا من حماس وطهر الثوار في مواقع المسئوليه واستفدنا من خبرات الانتقال الي الديموقراطيه لدي الاصدقاء

فما من ثوره دون شرعيه ثوريه وحكومه من الثوار او دون مسار واضح لعداله انتقاليه يتم من خلاله استعادة الاموال المنهوبه وقصاص عادل سريع من القتله واللصوص (وعداله اجتماعيه؟)

وما من تغيير ثوري يتم بالقطاره او حسب اعداد المتظاهرين او وفقا لقواعد الروتين الحكومي واحكام القضاء:

ولمن لا يزال يتحدث عن شرعيه: ما من شرعيه اسمها شرعية تنظيم استفتاءات وانتخابات وما من شرعية اسمها شرعية حماية الشرعيه (القصر الجمهوري؟) او شرعية استقبال الوفود والاجابه علي المكالمات الدوليه:

وما من شرعية اسمها شرعية الامر الواقع او شرعية الاعلان الدستوري (هو للمره المائه باطل وغير دستوري ولا قيمة له ومن السهل لرجل الشارع العادي–ولا اقول القانوني المتخصص- الطعن فيه وابطاله وبالتالي الغاء كل ما ترتب عليه لنعود مرة اخري -وفي اي وقت- الي نقطة البدايه)

ورأيي ان الحفاظ علي صورة الجيش في وجدان الشعب هو امر -وان جاء متأخر بعض الشئ- لا بديل عنه: غير ان ذلك لن يتم  بالكذب والخداع والانكار والمناوره والمغالطات والتملص والتعميه: كما لن يتم بدستور يمنح دور للجيش يزيد عن وضعه القانوني والدستوري المعروف في دساتير العالم الحر او مهام تزيد عن مهامه العسكريه او حصانه لافراده من المحاسبه وبأي قدر: ولن يتم بان يحرم الشعب-علي الجانب الاخر- من التدخل في شئون جيشه ومعرفة كل شئ عنه: كما لو كنا امام عوره: وليست المسأله ان لدينا هيئه هي بطبيعتها جزء لا يتجزأ من الحكومه (كما ان الحكومه جزء من الدوله) بحبث تتبع هذه الهيئه- كما في جميع دول العالم -رئيس الحكومه -وتأتمر بأمره- بنفس قدر خضوعها للقانون ومراقبة البرلمان (والحق ان الامر ليس له علاقه بأية عوره: اذ انه من المستطاع اليوم لاي باحث مبتدئ ان يطلع- ودون حاجه لاستنباط قانون رياضي جديد لتفسير هذه الظاهره او تلك- علي كل ما يخص الجيش المصري من حيث العدد والعتاد ونوع التسليح –والتدريب- وحجمه والمنح والصفقات الجديده والقديمه ومواعيد التسليم والميزانيه وطريقة توزيعها وحجم الانفاق وشكله والارباح المترتبه عليه الخ: سواء بالنسبه للجيش الحالي او منذ نشأة الجيش المصري الحديث منذ قرنين من الزمان: وليس من شك اننا ندين بالفضل في ذلك–فضل كشف العورات- لنمو وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحديثه وتطورها)

بل سيعود الجيش الي وجدان الشعب حين يعود الي موقعه ليخدم بلده من خلال واجباته الاصليه كالاستعداد القتالي والتدريب (لقتال غير المصريين طبعا) وتطوير التسلح وحماية الحدود ناهيك عن توفير درجه من درجات الامن بصوره عاجله وفعاله (الي ان تعود الشرطه بكامل طاقتها للعمل وبعقيده جديده): وهي كلها مهام –بالمناسبه-ليست بالشئ الهين ولا تتيح الفرصه لمن يؤديها حق ادائها بان يفعل شئ اخر غيرها: والا فان اي مهام اخري ان لم تعطله عن اداء وظيفته ستصيبه حتما بالتراخي وعدم الجهوزيه

واري من الناحيه الاستراتيجيه ان اي امتيازات للجيش ليست في صالح الجيش: بالضبط كما انها ليست في صالح الشعب: فجيش نظامي حديث وقوي-وان كان صغير الحجم- يصبح اكثر فعاليه من جيش منتفخ مترهل مشغول بالكامل بمشروعات مدنيه (سواء مشروعات بنيه اساسيه او اقتصاديه او ترفيهيه او غيرها)

كما اري انه ليس من مصلحة الجيش-او مصلحة الوطن- ان يبقي الجيش خارج منظومة السؤال والمحاسبه:

واعتقد ان التأخر عن محاسبة الجميع بما في ذلك اعضاء المجلس العسكري حسابا عاجلا ووافيا سيكون امرا لا مبرر له علي الاطلاق وليس مقبولا لا من الناحيه الديموقراطيه ولا حتي علي مستوي الكرامه الانسانيه اذ سيكون السماح بانتهاكات دون قصاص عادل سابقه خطيره وتفريط اي تفريط في حق هذا الشعب لن تغفره لنا الاجيال القادمه: والحساب لابد وان يشمل –في رأيي-الي جوار الانتهاكات (سواء في موقعة الجمل او ماسبيرو او ميدان التحرير او غيرها) طريقة الاداء في الفتره السابقه بما في ذلك ما يخص ادارة القوات المسلحه

وهو شئ سيحدث لا محاله عاجلا ام اجلا

وبوجه عام: لا يحاول التهرب من الحساب الا من هو اثم: وكذلك لا يعينه علي ذلك الا من هو اثم مثله وفي نيته ان يفعل ما فعل

وكما قال رئيس الوزراء السابق: لا شئ مقدس: حسنا: ولا حتي المجلس!

اذ لن تصبح طريقة "غمه وتزول" او "كل وقت وله اذان" مقبوله ابدا في نظام به تعدديه سياسيه وانتقال حر للسلطه (سيحدث شاء من شاء وابي من ابي ايا كانت التضحيات)

ولقد جربنا هذا الاسلوب مرارا مع الرئيس المخلوع الي ان جربه هو معنا مما قادنا اخيرا الي الثوره: فالجميع في النهايه مصيرهم الي الحساب طال الزمن او قصر: والانسان "متوسط الذكاء" الذي يحاول الهروب اليوم لن يعفيه ذلك غدا (ولا اعتقد ان الشعب التونسي او الليبي او السوري الكريم اكثر حرصا علي استرداد حقوقه وحرياته والقصاص لشهدائه ومصابيه او اكثر غيرة علي كرامة واعراض مواطنيه-خصوصا النساء منهم- من الشعب المصري)

وسواء شئنا ام ابينا: رجال ونساء الثوره ومنظمات المجتمع المدني والاعلام الحر هم الذين يصنعون اليوم 80 % علي الاقل من الرأي العام والنسبه ترتفع: والغالبيه العظمي منهم مواطنون متعلمين مثقفين من الطبقه الوسطي والادني ممن يحبون بلدهم بشغف وينشدون له مستقبل مثمر: ومحاربتهم وتلويث سمعتهم -اضافه الي انه علامة عجز- هو الثوره المضاده ماثله للعيان وبلا ساتر يسترها

والمعني الوحيد –في رأيي-لعدم وجود ارادة تغيير او محاسبة هو ان الثوره المضاده-اضافه الي التجاوزات والانتهاكات- مازالت تصدر اوامرها من عل:

ويخطئ خطئا استراتيجيا من يستمر في التعامل مع الثوره باعتبارها ثورة ملبس وبونبون او ثورة رغيف خبز: او يستهين بالقدرات الكامنه لدي شعب مصر ويضع حب الشباب الطاهر لوطنهم موضع تساؤل او مزايده (كما لو كانت الوطنيه قاصره علي فرد او وظيفه او مؤسسه او كما لو كانت مصر تستورد وطنيين من الخارج) فمحبة اي شعب لوطنه شئ يستحق ان تفتخر به كل حكومه مخلصه حريصه علي مستقبل البلاد: ثم يخطئ مرة اخري من ينخدع بمثالية القوه ويظن انه فوق الحساب والعقاب

والحقيقه ان المشكله لن تنتهي بحيث سيكون هناك دائما موجه جديده لغضب الشعب طالما بقيت المشكلات دون حل وطالما بقي كل فاشي فاسد في موقعه بعيدا عن المحاسبه

لذا فعندما يتحدث البعض عن الانتخابات بصفتها العلامه الفارقه واول خطوه لتحقيق اهداف الثوره وما الي ذلك-دون محاسبات حقيقيه- فانا اضع كل ما يقولون في الثلاجة

اذ لا اتصور ديموقراطيه دون مكاشفه ومصارحه ومراجعه شامله واعتراف بالاخطاء والمشكلات

ولا اتصور ديموقراطيه دون تطهير كامل للمؤسسات: "جميع" المؤسسات بلا استثناء (سواء مؤسسات الحكومه او الدوله) واعادة بنائها وتخليص الفاسد منها من ارث الفساد

ولا اتصور ديموقراطيه دون استعادة الاموال المنهوبه ودون عملية تغيير وتطوير شامل في القيم والمشاعر والافكار والقوانين والسياسات: وعلي جميع المستويات: افراد وجماعات ومؤسسات بحيث بقوم كل بما يتقنه علي الوجه الاكمل والسرعه الواجبه (ودون ان يقحم نفسه فيما يخص الاخرين)

ولا اتصور ديموقراطيه في ظل عدم وجود استراتيجيه عامه للدوله -والحكومه- او عدم وجود خطط وبرامج وجداول زمنيه محدده ومعلنه بحيث تساهم في النهايه في تحقيق الاهداف

ولا اتصور ديموقراطيه فيما يحاول كل طرف الدفاع عن مصالح فئويه او ايدولوجيه (مفترضه) تخصه ويحاول استخراجها من دماء الشعب او من ارث السلطه الساقطه (البقره الحلوب؟) باي ثمن وخارج السياق العام كما لو ان البلاد بكاملها قد تقزمت في هذه الجماعه او المؤسسه (مع ملاحظة ان التجرد من الامتيازات الدخيله او غير القانونيه ليس اطلاقا تنازلا او تضحيه من طرف وانما بمثابة اعادة الامور الي نصابها)

واخيرا لا اتصورها الا في وجود جيل جديد من نتاج الحركه الوطنيه يدرك ثقافة العصر ويشارك في صنع القرار السياسي (اي دون ان تقتصر مساهماته علي مجرد الاستشاره)

واعلم ما يراود البعض من مخاوف ولكن ليس البديل ابدا ان نمضي الي طريق علي امل ان يقودنا وحده-ودون اراده حيه حره- الي تطهر كامل من اثام الماضي

فحتي اذا ما نجح الرئيس المنتخب وحكومته السوبر في تحقيق كامل "اهداف الحكومه" من امن واقتصاد وتعليم وصحه وثقافه وبيئه الخ بهدف عبور امن للمرحله الانتقاليه: من الذي سيضمن تحقيق اهداف الثوره ؟  

ورأيي انه لا يمكن الاعتماد ابدا علي فرضية ان الرئيس والبرلمان المنتخبان سيكون لديهما–وحدهما- من العزم والوقت والشجاعه والفكر والصبر والكفاءه العلميه والوعي والشعبيه والوطنيه وحسن التصرف ما يكفي لوضع قواعد دوله مدنيه ونظام ديموقراطي كل ذلك الي جوار قيادة الحكومه الي اهدافها

فالمفاجأه هي ان البرلمان القادم سوف يكون منشغلا الي اذنيه بمعاركه مع الحكومه (ناهيك عن معاركه الداخليه) ولن تحقق الحكومه في ظل ذلك الصراع الا قدرا قليلا فقط من اهدافها (ومره اخري لا اتحدث عن اهداف الثوره او الدوله): وستكون النتيجه ان اهداف اساسيه ستستبدل باخري فرعيه فيما ستتحول اهداف فرعيه الي اهداف مؤجله وهكذا حتي تتغير الحكومه او البرلمان او تقوم ثوره جديده

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق